للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انظر أيها المسلم طالب الحق والإنصاف إلى نص هذا الإمام، وصراحته بأن أحاديث الرؤية وغيرها من الصفات يجب الإيمان بها وأنها حق، فمن قال: "كيف؟ " قلنا: لا يفسر كيفيتها ولم يفسر أحد من السلف كيفيتها وأن التفويض إنما هو في الكيف لا المعنى؛

فهذا النص متضمن لإحقاق الحق وهو الإثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل وإبطال الباطل وهو الرد على أهل التعطيل، وأهل التمثيل.

وفي ذلك عبرة للماتريدية ولاسيما الكوثرية منهم.

ز- الإمام أحمد إمام أهل السنة: لقد صرح الكوثري بأن الإمام سئل عن أحاديث النزول والرؤية ووضع القدم، ونحوها، فقال: "نؤمن بها، ولا كيف، ولا معنى" (١).

فترى أن قول الإمام أحمد هنا: " ... ولا كيف ولا معنى" في جميع الصفات حتى في "رؤية" الله تعالى، فهل ترى أنه يفوض في "رؤية" الله تعالى أيضاً؟ معنى وكيفاً؟.

وهل يصح عند من له أدنى مسكة من عقل أن الإمام أحمد يقول: إن أحاديث "الرؤية" لا كيف لها ولا معنى لها"؟.

وهل الماتريدية، وعلى رأسهم الكوثري - الذي استدل بقول الإمام أحمد هذا على التفويض المفتعل المنقول - يفوضون في "الرؤية" أيضاً؟ سبحان قاسم العقول!.

فهذا دليل صريح على أن الإمام أحمد يقصد بقوله: "لا كيف ولا معنى" الرد على المشبهة والمعطلة، والمراد من المعنى المنفي في كلامه هو تفسيرات الجهمية وتأويلاتهم وتحريفاتهم؛ لا المعنى المفهوم من النص.

ح- نص آخر للإمام أحمد مثل قوله: "تُمَرُّ كما جاءت" في غير أحاديث الصفات.

قال شيخ الإسلام: "وأحمد قد قال في غير أحاديث الصفاتِ: "تُمَرُّ كما جاءت" في أحاديث الوعيد، مثل قوله: "من غش فليس منا".

وأحاديث الفضائل.

ومقصوده بذلك: أن الحديث لا يُحَرَّفُ كلمه عن مواضعه كما يفعله من يحرفه، ويسمى تحريفه تأويلاً بالعرف المتأخر. فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل" (٢).

قلت: فهل يعقل أن السلف - ومنهم الإمام أحمد - يفوضون في معاني نصوص الوعيد، والفضائل أيضاً؟ وهل الماتريدية - ومنهم الكوثري والكوثرية - يفوضون فيها تفويضاً باطلاً عاطلاً؟.ط-ل- روى الإمام الترمذي حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن ... )) (٣).وفي رواية: ((إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ... )) (٤) الحديث.

ثم قال الترمذي: (وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا.

قالوا: "تثبت الروايات في هذا، ويؤمن بها، ولا يتوهم، ولا يقال: كيف".

هكذا روى عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن المبارك: أنهم قالوا في هذه الأحاديث: "أمروها بلا كيف".

وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: "هذا تشبيه".

وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: "اليد" و"السمع" و"البصر

فتأولت الجهمية هذه الآيات، ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: "إن الله لم يخلق آدم بيده" وقالوا: "إن معنى اليد هنا القوة .. ".

قلت: تدبر أيها المسلم في نص هذا الإمام وفيما نقله عن أئمة الإسلام.


(١) وقال: "قال الخلال في السنة بسنده إلى حنبل عن الإمام أحمد ... " ((تبديد الظلام)) (ص٥٣).
(٢) ((الإكليل)) (ص ٣٢)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (٢/ ٢٢)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٩٥)، و ((ضمن دقائق التفسير)) (١/ ١٣٤).
(٣) رواه الترمذي (٦٦١) وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.
(٤) رواه الترمذي (٦٦٢) وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألباني: منكر بزيادة: وتصديق ذلك .... .

<<  <  ج: ص:  >  >>