للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكلام السلف يتضمن إحقاق الحق وإبطال الباطل وانتصار مذهب أهل السنة والقضاء على مذهب أهل التعطيل، والتمثيل في آن واحد، وهو إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل.

ويشهد لما قلنا نصوص السلف، وفيما يلي بعض الشواهد من نصوصهم:

أ- نصُّ الإمام محمد بن الحسن الشيباني (١٨٩هـ) صاحب أبي حنيفة رحمهما الله وهو أحد الأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق:

"اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل، من غير تفسير، ولا وصف، ولا تشبيه؛

فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفارق الجماعة؛

فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا؛

فمن قال يقول الجهم، فقد فارق الجماعة لأنه وصفه بصفة لا شيء".

فيا ترى هل قوله: "على الإيمان بالقرآن ... " يدل على إيمان الإثبات أم إيمان التفويض؟.

وهل يقول عاقل: إن الإيمان بالقرآن إيمانُ تفويضٍ؟.

أليس قوله: "فمن قال بقول جهم ... ، لأنه وصفه بصفة لا شيء" صريحاً في أنه يقصد الردَّ على تفسير الجهمية وتحريفهم؟.

فالماتريدية في نفيهم لصفة علو الله تعالى على خلقه وفوقيته على عباده - تابعوا الجهم، فوصفوا الله تعالى بصفة لا شيء.

بل زادوا على مقالة الجهم، وقالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا فوق، ولا تحت، إلى آخر ذلك الهذيان الذي لا يقر عقل ولا نقل ولا فطرة ولا إجماع في آن واحد.

فوصفوه بصفة الممتنع في بداهة العقول، وبتصريح كبار أئمة السنة والكلام.

وقوله: "فإنهم لم يصفوا، ولم يسفروا" معناه: أن أهل السنة لم يصفوا الله بصفة لا شيء ولم يؤولوا صفات الله تعالى كما يصنع الجهم وأذياله.

وقوله: "ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا" معناه: أنهم أفتوا بإثبات ما في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى ثم سكتوا عن تأويلها وبيان كيفيتها.

وقوله: "في صفة الرب عز وجل" عام لجميع الصفات ومطلق، فهل الماتريدية يفوضون في جميع الصفات؟.

ب-هـ- "الأئمة" الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وليث بن سعد. روى الإمام ابن عبدالبر حافظ المغرب (٤٦٣هـ) عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وليث بن سعد، غير مرة عن الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقال: "أمروها كيف جاءت بلا كيف" (١).

فيا ترى هل هؤلاء الأئمة كانوا مفوضين في معنى "الرؤية" وكيفيتها جميعاًً؟ أم قصدهم الرد على تحريفات منكري "الرؤية" والمشبهة؟.

وهل الماتريدية يفوضون في معنى "الرؤية" أيضاً؟.و- الإمام أبو عبيد قاسم بن سلام (٢٢٤هـ) وهو من كبار أئمة الحنفية ومن أجل أصحاب الإمام محمد بن الحسن الشيباني - عند الكوثري والكوثرية (٢).

فقد قال هذا الإمام في أحاديث الرؤية، والكرسي، وصفة الضحك ووضع القدم في جهنم وأشباه هذه الأحاديث:

"هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث، والفقهاء بعضهم على بعض وهي عندنا حق لا شك فيها، ولكن إذا قيل: "كيف وضع قدمه"؟ وكيف ضحك"؟.قلنا: لا يُفَسَّر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره" (٣).


(١) ((التمهيد)) (٧/ ١٥٨).
(٢) ((فقه أهل العراق)) (ص ٦٤).
(٣) رواه الدارقطني في كتاب ((الصفات)) (ص ٦٨ - ٩٨)، بإسناد كالجبل الراسي الشامخ والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص ٣٥٥). وقال شيخ الإسلام "إسناده صحيح" ((الحموية)) (ص ٥٤)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٥)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (١/ ٤٤٧). ومع ذلك كله ترى الكوثري يقدح فيه انظر تعليقاته على ((الأسماء والصفات)) (ص ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>