للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل. فمن ادعى علمه فهو كاذب ... " (١).

فأصل اللفظ - وهو المعنى المفهوم منه لغة - معلوم دون شك،، وإنما المجهول وصف ذلك المعنى - وهو الكيف -

فلو سلمنا أن نصوص الصفات من المتشابهات -

نقول: إن المتشابه نوعان: متشابه بأصله كالحروف المقطعات ومتشابه بوصفه وكيفيته كآيات الصفات.

فعلى هذا التقدير: هي معلومة .. الأصل - أي المعنى -

لكنها مجهولة الوصف - أي الكيف، فالتأويل المنفي في الآية هو الكيف لا المعنى.

وهذه حقيقة اعترف بها كبار أئمة الحنفية والماتريدية. أمثال فخر الإسلام البزدوي (٤٨٢هـ) وشمس الأئمة السرخسي (٤٨٣هـ) وحافظ الدين النسفي (٧١٠هـ) وعبدالعزيز بن أحمد البخاري (٧٣٠هـ) وأبو المنتهى المغنيساوي (كان حيا ٩٣٩هـ) والملا علي القاري (١٠١٤هـ) وشيخ زاده عبدالرحمن بن محمد (١٠٧٨هـ) والقاضي كمال الدين البياضي (١٠٩٨هـ).

فقالوا في التمثيل للمتشابه - واللفظ للأول:

"ومثاله: إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار .. فصار بوصفه متشابهاً، فوجب تسليم المتشابه على اعتقاد الحقيقة فيه.

وكذلك إثبات اليد، والوجه حق عندنا، معلوم بأصله متشابه بوصفه ولن يجوز إبطال الأصل بالعجز عن درك الوصف.

وإنما ضلت المعتزلة من هذا الوجه فإنهم ردوا الأصول لجهلهم بالصفات فصاروا معطلة".

وزاد شمس الأئمة السرخسي، وحافظ الدين النسفي، والقاري؛ واللفظ له:"وأهل السنة، والجماعة أثبتوا ما هو الأصل المعلوم بالنص، أي بالآيات القطعية، والدلالات اليقينية، والدلالات اليقينية، وتوقفوا فيما هو المتشابه، وهو الكيفية، ولم يجوزوا الاشتغال بطلب ذلك كما وصف الله به الراسخين في العلم فقال: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:٧] (٢).

الخلاصة: أنه لا دليل في هذه الآية أصلاً للمدعين للتفويض ونسبته إلى السلف والحمد لله.

وبعد ما قضينا على هذه الشبهة ننتقل إلى الرد على الشبهة الثانية.

وأما الشبهة الثانية:

فما أفسدها، وأظهر بطلانها!!:

لأنه ليس المرادُ التفويض في المعنى من قول السلف: "نمرها كما جاءت" أو "أمروها كما جاءت" أو "أنها لا تفسر" أو "أن تفسيرها تلاوتها" أو نؤمن بها ولا كيف ولا معنى" أو "على ما أراد الله"، ونحوها من الأقوال التي تنقل عن سلف الأمة وأئمة السنة. ليس قصدهم بذلك أنهم جاهلون بمعاني نصوص الصفات ومرادها، وأنهم كانوا يتلونها تلاوة مجردة كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب بدون فهم المعنى والمراد.

فمن فسر أقوال السلف بهذا التفسير فقد كذب عليهم وافترى أشنع الكذب وأبشع الافتراء.

بل كان قصدهم بهذه الأقوال هو الردَّ على تفسيرات الجهمية وتأويلاتهم التي كانت عين التحريفات".

فقالوا: "أمروها" أي أثبتوها وأقروها وآمنوا بها، و"لا تُفَسَّرُ" تفسيرَ الجهمية، ولا تُحَرَّفُ كما حرفوها "بل تفسيرها تلاوتها" فإنها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار يفهمها التالي والسامع بمجرد تلاوتها.

كما قصدوا بقولهم: "بلا كيف" الردَّ على الممثلة.


(١) ((الحموية)) (ص ٤١ - ٤٢)، و ((ضمن مجمع الفتاوى)) (٥/ ٣٧)، و ((التدمرية)) (ص٩٠)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٥٥)، وانظر ((مفاتيح الغيب للرازي)) (٧/ ١٩٢).
(٢) ((أصول البزدوي مع شرحها كشف الأسرار للبخاري)) (١/ ٥٩ - ٦١)، و ((أصول السرخسي)) (١/ ١٧٠) و ((كشف الأسرار المنار للنسفي)) (١/ ٢٢٤)، ((شرح الفقه الأكبر للمغنيساوي)) (ص ١٤)، و ((شرحه للقاري)) (ص ٦٠)، و ((نظم الفرائد)) (ص ٢٣)، و ((إشارات المرام)) (ص ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>