للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما هو قراءة الأكثرين، وأن الراسخين لا يعلمون تأويلها على عَدَِ قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:٧] جملة مستأنفة، فيكون الراسخون لا يعلمون تأويلها -

فلا نسلم أن المراد بلفظ "التأويل" في هذه الآية ما يرادف فهم المعنى من اللفظ العربي، وتفسيره، بل المراد من "التأويل" في هذه الآية: هو حقيقة ما يؤول إليه الكلام وهو أحد معنى "التأويل" في لغة القرآن واصطلاح السلف كما سيأتي تحقيقه.

فيكون المراد بـ"التأويل" كيفية الصفات فهي لا يعلمها إلا الله، فلا يعلمها الراسخون، ولا غيرهم.

وأما معنى الصفات فإنه معلوم يعلمه الراسخون بلا شك.

فهذا يؤيد قاعدة السلف في الصفات: "الاستواء معلوم والكيف مجهول".

إذن لا يصح تمسك المدعين للتفويض بهذه الآية أصلاً على أن معاني الصفات غير معلومة كما أن كيفيتها غير معلومة.

لأن المنفي في الآية على هذا التقدير إنما هو "الحقيقة التي يؤول الكلام إليها وهي الكيف"، لا المعنى المفهوم من اللفظ العربي. ولشيخ الإسلام تحقيق دقيق لتقرير هذا المطلوب فراجعه (١).

الحاصل: أن قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:٧] فيه قراءتان منقولتان عن السلف والكل قراءة توجيه وجيه.

أما القراءة الأولى:

فهي الوقف على لفظ الجلالة.

وكون قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ جملة مستأنفة.

وتوجيه هذه القراءة: أن لفظ "التأويل" على هذه القراءة بمعنى حقيقة ما يؤول غليه الكلام في نفس الأمر وهو الكيفية.

فيكون الراسخون في العلم لا يعلمونها، لأن ذلك مما استأثر الله بعلمه.

وأما القراءة الثانية:

فهي الوقف على قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وجعل قوله: وَالرَّاسِخُونَ عطفاً على لفظ الجلالة.

وتوجيه هذه القراءة، أن لفظ "التأويل" على هذه بمعنى التفسير وبيان المعنى المفهوم من اللفظ العربي.

فيكون الراسخون يعلمون معاني تلك النصوص مع تفويضهم في الكيف. قال شيخ الإسلام وغيره من أئمة الإسلام واللفظ له: "وكلا القولين حق باعتبار كما بسطناه، في موضع آخر، ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا وكلاهما حق" (٢).

وقال: "وقد روى عن ابن عباس ما ذكره عبدالرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه:

١ - تفسير تعرفه العرب من كلامها.

٢ - وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.

٣ - وتفسير يعلمه العلماء.


(١) انظر ((درء التعارض)) (٥/ ٢٣٤ - ٢٣٥، ٣٨٢، ٧/ ٣٢٨)، و ((التدمرية)) (ص ٨٩ - ٩٦)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٥٤ - ٥٨)، ((الحموية)) (ص ٤١٤٢)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٦ - ٣٧)، ((الإكليل)) (ص ٨ - ١٩)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٧٥ - ٢٨٣)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (٢/ ٨ - ١٤)، و ((ضمن دقائق التفسير)) (١/ ١٢٢ - ١٢٨)، ونقله القاسمي وأقره في ((محاسن التأويل)) (٤/ ٩ - ١٦)، و ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٣٢ - ٢٣٥).
(٢) ((الحموية)) (ص ٤١)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٦)، و ((التدمرية)) (ص ٩١)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٥٥)، وانظر ((الجامع لأحكام القرآن)) (٤/ ١٨)، ((الدر المصون للسمين)) (٣/ ٣٩)، ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٤٨)، ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٣٤)، و ((إرشاد العقل السليم)) (٢/ ٨)، ((فتح القدير للشوكاني)) (١/ ٣١٦)، ((روح المعاني)) (٣/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>