أَي أَطعهما تلقَ خيراً. ومنه قولهم "إتَّقى اللهَ امرؤٌ فعلَ خيراً، يُثبْ عليه". أي لِتَّقِ اللهَ، وليفعلْ خيراً يُثَبْ عليه. ومن ذلك قوله تعالى {هل أدُلُّكم على تجارة تُنجيكم من عذاب أَليم؟ تُؤمنو بالله ورسولهِ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، يَغفرْ لكم ذُنوبكم} ، أَي آمنوا وجاهدوا يَغْفر لكم ذنوبكم. والجزمُ ليس لأنه جواب الاستفهام، في صدر الآية، لأن غفران الذنوب ليس مرتبطاً بالدلالة على التجارة الرابحة، لأنه قد تكون الدلالة على الخير، ولا يكون أثرها من مباشرة فعل الخير. وإنما الجزم لوقوع الفعل جواباً لقوله {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} ، لأنهما بمعنى آمنوا وجاهدوا.
فالمضارعُ، في كل ما تقدَّم، مجزومٌ لأنه جوابُ طلبٍ في المعنى، وإن كان خبراً في اللفظ.
فوائد
(١) لا يجبُ أن يكونَ الأمرُ بلفظِ الفعلِ ليَصحَّ الجزمُ بعدَهُ، بل يجوزُ أن يكون أيضاً اسمَ فعل أَمرٍ، نحو "صَهْ عن القبيح تُؤْلفْ". وجملةً خبريَّةً يُراد بها الطَّلَب (كما تقدَّم) ، نحو (يَرزُقُنيَ اللهُ مالاً انفعْ به الأمة) أَي لِيرزقني، "حسْبُك الحديثُ يَنَمِ الناسُ".
(٢) يُشترَطُ لصحّة الجزم بعد النهي أن يصحَّ دخولُ (إن) الشرطية عليه، نحو {لا تَدنُ من الشر تَسْلَمْ} ، إذ يصحُّ أَن تقول "إلا تدنُ من الشر تسلم". فإن لم يَصلحُ دخولُ إن عليه، وجب رفعُ الفعل بعدَهُ، نحو "لا تَدنُ من الشرّ تهلكُ"، برفع تهلك، إذ لا يصحُّ أن نقولَ "إلاّ تدن من الشر تَهلك"، لفساد المعنى المقصود وأَجاز ذلك الكسائيُّ.