للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأنهم يوسعون أشداقَهم ويملؤونها بالكلام. قال أبو العبّاس المبرّد بعد ما أورد ما أوردناه من تفسير هذا الحديث: وتصديقُ ما فسّرناه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يريد الصدقَ في المنطق والقصدَ وتركَ ما لا يُحتاج إليه: قوله لجرير بن عبد الله البَجَلي: يا جرير: إذا قلتَ فأوْجِزْ وإذا بلغتَ حاجتَك فلا تتكلّف. وقال الله جل شأنه في الحث على لين الكلام: وقولوا للناس حسناً. وقال: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً}، وقال: {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}. وقال: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً}. . . وقالوا: من لانت كلمته وجبت محبتُه. وقالت جدة سفيان بنِ عُيينة له:

بُنَيَّ إنَّ البِرَّ شيءٌ هَيْنُ ... المَفْرَشُ اللّيِّنُ والطُّعَيْمُ

ومَنْطِقٌ إذا نَطقْتَ لَيْنُ

قولها هَيْنٌ: فالعرب تقول: رجلٌ هَيْنٌ لَيْنٌ وهَيّنٌ لَيّنٌ وفي الحديث: (المؤمنون هيّنون ليّنون كالجملِ الأنِفِ إن قُدْتَه انقادَ وإن أنَخْتَه على صخرة اسْتَناخ) جمل أنفٌ: أي مأنوف، أي يشتكي أنفُه من خِشاشٍ أو بُرَةٍ أو خِزامة في أنفه فلا يمتنع على قائده في شيء للوجع، فهو

ذلول منقادٌ، ومعنى المؤمنون كالجمل الأنف: أنهم لا يَريمون التشكّي، أي يُديمون التشكي مما بهم إلى الله وحده لا إلى سواه. أقول: وأحسن من هذا التفسير قول بعضهم: الجمل الأنف: الذليل المُؤاتي الذي يأنَف من الزّجْر ومن الضرب ويُعطي ما عنده من السير عفواً سهلاً، كذلك المؤمن، لا يحتاج إلى زجر ولا