للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الثالث في الصبر وعبقريّاتهم فيه

وفي الدُّنيا وأكْدارِها، وفي هادم اللذات

ماذا يُرادُ بالصَّبْرِ في هذا الباب

قال علماءُ اللغة: الصَّبْرُ، نقيضُ الجَزع، أو حَبْسُ النفسِ عندَ الجَزع، يقال: صَبَرَ فلانٌ عند المصيبةِ يَصْبِر صَبْراً، وصبَّرْته أنا: حَبَسْتُه، والتصبُّر: تكلّف الصبر، قال عمر رضي الله عنه: أفضل الصبر: التصبُّر. . . وقال الراغب الأصفهاني في الذريعة: الصَّبر ضربان: جسميٌّ ونفسيٌّ، فالجِسْميُّ: هو تحمُّل المشاقِّ بقدر القوّة البدنيّة، وأكثرُها لذوي الجسومِ الخَشِنة، وليس ذلك لفضيلةٍ تامة، وذلك في الفعل كالمشي ورفع الحَجَر، وفي الانفعال كالصَّبرِ على المرض، والنفسيّ - وبه تُعلَّق الفضيلةُ - ضربان: صبرٌ عن تناولِ مُشتهًى، ويقال له: العِفّة؛ وصبرٌ على تحمُّل مكروهٍ أو محبوب، وهذا تختلف أسماؤه بحسب اختلاف مواقعه، فإذا كان في نزول مصيبة فإنه مما استبدَّ به اسم الصبر، وضدُّه الجزع والهلع والحزن، وإن كان في احتمال غنى فقد سُمّي ضبطَ النفس ويضادُّه الدَّقْعُ والبَطَر، وإن كان في محاربةٍ سُمّي شجاعةً ويضادُّه: الجبن، وإن كان في إمساكِ النّفس عن قضاءِ وَطَرِ الغضبِ سُمّي حِلماً، ويضادُّه: التذمُّر، وإن كان في نائبةٍ مُضْجِرةٍ سُمّي سَعَةَ الصدر؛ ويضادُّه ضيقُ الصدر والضَّجر والتبرُّم، وإن كان في إمساك كلامٍ