ثم بيَّن الرسولُ أن كل ما ينفقه على زوجِه أو ولدِه أو أقاربِه أو خدمِه صدقةٌ ولو كان قليلاً، حتى اللقمةَ يرفعُها إلى فمِ امرأته، يريد صلوات الله عليه: أنَّ المرءَ إن استقلَّ أمرَ الوصيّةِ بالثلثِ أو ما دونه فلْيَسْتَكْثِرْه بالإنفاق، والأقربون أولى بالمَعْروف، فإن امتدَّت به الحياةُ فليَسْلُك هذا الطريق، ثمَّ رجا له الرسولُ أن يبرأَ وتطولَ حياتُه ويرتفعَ شأنُه حتى ينتفع به أناسٌ ويَسْتَضِرَّ به آخرون، وقد تحقّق هذا كلُّه حتّى عزّ به الإسلامُ. هذا والوصيّةُ بالثلث فأقلّ قد استقرَّ عليه الإجماعُ إذا كان هناك ورثةٌ واختلفوا فيمَنْ ليس له
وارثٌ راجع كتبَ الفقه. . . وعن أبي هريرة: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسولَ الله، أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: أنْ تصدَّقَ وأنت صحيحٌ حريصٌ تأمَلُ الغِنى وتَخْشى الفقرَ ولا تُمْهِل حتى إذا بلغتِ الحُلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا). . . وفي الأثر أيضاً:(مثلُ الذي يُعتق ويَتَصدَّق عند موته، مثلُ الذي يُهدي إذا شبع). . . وقال بعض الصالحين عن بعض المُتْرَفين: يَعْصون اللهَ في أموالِهم مرَّتين، يَبْخلون بها وهي في أيديهم - يَعني في الحياة - ويُسرفونَ فيها إذا خَرَجَتْ من أيديهم - يَعني بعدَ الموت.
من أوصى بشرٍّ وكان قاسِياً
لمّا حضرتِ الحُطيئةَ الوفاةُ اجتمعَ إليه قومُه فقالوا: يا أبا مُلَيْكة: أوْصِ، فقال: وَيْلٌ للشِّعْرِ من راوِيةِ السُّوء؛ قالوا: أوْصِ رَحِمَك اللهُ يا حُطَيْءُ قال: مَن الّذي يقول:
إذا أَنْبَضَ الرّامونَ عَنْها تَرَنَّمَتْ ... تَرَنُّمَ ثَكْلَى أوْجَعَتْها الجَنائِزُ؟