إلى الغُصنينِ فإذا في أصْلهما جُرَذان أسْودُ وأبيضُ، وهما يَقرِضانِ الغصنين دائبين لا يَفْتُرانِ، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمامِ لنفسه، إذْ أبصرَ قريباً منه كِوارةً فيها عسلُ نحلٍ؛ فذاق العسل؛ فشَغلَتْه حلاوتُهُ وألهتْهُ لذَّتُهُ عن الفكرة في شيءٍ من أمره، وأن يلتمسَ الخلاصَ لنفسهِ؛ ولم يذَّكرْ أنَّ رجليه على حيَّاتٍ أربعٍ لا يدري متى يقع عَليهِنَّ، ولم يذَّكرْ أن الجُرذينِ دائبانِ في قطع الغُصنين؛ ومتى انقطعا وقع على التنِّين. فلم يزل لاهياً غافلاً مشغولاً بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنين فهلك. فشَبَّهْتُ بالبئرِ الدُّنيا المملوءةَ آفاتٍ وشروراً، ومَخافاتٍ وعاهات، وشبَّهتُ بالحيَّات الأربعِ الأخلاطَ الأرْبعةَ التي في البدن: فإنّها متى هاجت أو أحدها كانت كَحُمة الأفاعي والسُّمِّ المُميت، وشبَّهتُ بالغُصنين الأجلَ الذي لابُدَّ من انقطاعهِ؛ وشبَّهتُ بالجُرذين الأسودِ والأبيضِ الليلَ والنهارَ اللذينِ هُما دائبانِ في إفناء الأجل؛ وشبَّهتُ بالتنينِ المصيرَ الذي لابُدَّ منه؛ وشبَّهتُ بالعسلِ هذه الحلاوةَ القليلةَ التي ينالُ منها الإنسان فيَطْعَمُ ويسمع ويَشمُّ ويَلْمسُ، ويتشاغلُ عن نفسه، ويلهو عن شأنه، ويُصَدُّ عن سبيلِ قَصْدِه. . .
[عمرو بن العاص يصف حاله في احتضاره]
قال عبد الله بن عباس: دخلت على عَمْرِو بن العاص وقد احْتُضِرَ، فدخل عليه ابنه عبد الله فقال: يا عبد الله، خذ ذلك الصندوقَ، فقال: لا حاجة لي فيه، قال: إنه مملوءٌ مالاً، قال: لا حاجة لي به، فقال عمرو: