للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنظرُ إلى قاتل أخي! فعمَدَ إلى فأسِه فأخَذَها؛ ثم رصدَ لها، حتّى خرجت، فضَربَها ضربةً شجَّت رأسَها، فلما رأت ما فعل قطَعَتْ عنه الدينار، فخاف الرجلُ شرَّها ونَدِمَ، فقال لها: هل لك أن نتواثقَ ونعودَ إلى ما كنَّا عليه؟ فقالت: كيف أعاوِدُك وهذا أثرُ فأسك وهذا قبرُ أخيك! وقد ذكر هذه الحكاية النابغة الذبياني في أبياتٍ له لا داعي إلى إيرادِها وقد جاء في ختامِها هذا البيت:

أبى لكَ قبرٌ لا يزال مُواجِهي ... وضَرْبةُ فأسٍ فوقَ رأسِيَ فاغِرَهْ

[نهيهم عن احتقار العدو]

قال ابنُ نُباتةَ السعدي:

وإذا عَجِزْتَ عَنِ العَدُوِّ فَدارِه ... وامْزُجْ له إنَّ المِزاجَ وِفاقُ

فالنارُ بِالماءِ الذي هُوَ ضِدُّها ... تُعطي النَّضاجَ وطبْعُها الإحْراقُ

وقالوا: لا يُتَّقى العدوُّ القويُّ بمثلِ الخُضوعِ واللّينِ، ومَثلُ ذلكَ مَثَلُ الرّيحِ العاصفِ تَقلَعُ الأشْجارَ العِظام، لتأبِّيها عليها، ويَسْلَمُ مِنْها النَّباتُ اللَّيِّنُ لِتَمايُلِه مَعها.

ومِن أمثالهم: إذا عزَّ أخوك فهُنْ.

قال الإمام ثعلب: هذا مثلٌ مَعْناه: إذا تعظَّم أخوك شامِخاً عليكَ فالْتَزِمْ له الهَوان؛ وعبارة الأزهريّ: المعنى: إذا غلبك وقهَرك ولم تُقاوِمْه فتواضَعْ له، فإنَّ اضطرابَك عليه يزيدُك ذلاًّ

وخَبالاً، وقال الزجاج: الذي قاله ثعلب خطأ، وإنما الكلام. إذا عزَّ أخوك فهِنْ - بكسر الهاء - ومعناه إذا اشتدَّ عليك فهُنْ له ودارِه، وهذا من مَكارمِ الأخلاق، كما رُوي عن