أنظرُ إلى قاتل أخي! فعمَدَ إلى فأسِه فأخَذَها؛ ثم رصدَ لها، حتّى خرجت، فضَربَها ضربةً شجَّت رأسَها، فلما رأت ما فعل قطَعَتْ عنه الدينار، فخاف الرجلُ شرَّها ونَدِمَ، فقال لها: هل لك أن نتواثقَ ونعودَ إلى ما كنَّا عليه؟ فقالت: كيف أعاوِدُك وهذا أثرُ فأسك وهذا قبرُ أخيك! وقد ذكر هذه الحكاية النابغة الذبياني في أبياتٍ له لا داعي إلى إيرادِها وقد جاء في ختامِها هذا البيت:
أبى لكَ قبرٌ لا يزال مُواجِهي ... وضَرْبةُ فأسٍ فوقَ رأسِيَ فاغِرَهْ
[نهيهم عن احتقار العدو]
قال ابنُ نُباتةَ السعدي:
وإذا عَجِزْتَ عَنِ العَدُوِّ فَدارِه ... وامْزُجْ له إنَّ المِزاجَ وِفاقُ
فالنارُ بِالماءِ الذي هُوَ ضِدُّها ... تُعطي النَّضاجَ وطبْعُها الإحْراقُ
قال الإمام ثعلب: هذا مثلٌ مَعْناه: إذا تعظَّم أخوك شامِخاً عليكَ فالْتَزِمْ له الهَوان؛ وعبارة الأزهريّ: المعنى: إذا غلبك وقهَرك ولم تُقاوِمْه فتواضَعْ له، فإنَّ اضطرابَك عليه يزيدُك ذلاًّ
وخَبالاً، وقال الزجاج: الذي قاله ثعلب خطأ، وإنما الكلام. إذا عزَّ أخوك فهِنْ - بكسر الهاء - ومعناه إذا اشتدَّ عليك فهُنْ له ودارِه، وهذا من مَكارمِ الأخلاق، كما رُوي عن