نُغْفِل الإغفالَ كلَّه ما يعنينا من سير العبقريين، ويمتُّ منها بسببٍ واصلٍ إلى أيّ باب من أبواب هذا الكتاب، ولا نتبسَّط التبسُّط الذي يلحقنا بأصحاب السِّيرِ والمُترجمين؛ وشخصيتنا التي حبب الله إلينا أن نلمَّ بعبقريّتها في باب البرّ والإحسان هو رجلٌ من رجال أسلافنا كما قلنا - هو قاضي القضاة أحمد بن أبي دواد. . .
[أحمد بن أبي دواد]
كان هذا أحمد بن أبي دُوادٍ شخصيةً ضخمةً ذاتَ أثرٍ فعّالٍ خالدٍ في تاريخ الإسلام، إذ أنّه كان من أشياع المعتزلة، وكان في طليعة القائلين بخلق القرآنِ، العاملين على ترويج هذه البِدعة، مستظهِراً على ذلك بجاهه ونفوذِه لدى المأمون والمعتصم والواثق. وليس فيه من مَغْمزٍ - في نظر رجال الحديث وأهل السُّنّة والجماعة - إلا هذه. . . قال محمد بن يحيى الصُّولي: لولا ما وضع به نفسَه من محبَّة المِحْنة - مِحْنة القولِ بخلقِ القرآن، وحمل الناس عليه - لاجتمعت الألسن عليه، ولم يُضف إلى كرمِه كرمُ أحدٍ. . . ومن أحبَّ الوقوف على موقف ابن أبي دوادٍ من هذه المسألة فليرجع إلى مظانّها. . . ومن قولهم في مكانته من العلم والأدب، ومنزلته من الجاه والسلطان، ورسوخِ قدمِه في الفضلِ والنُّبلِ ومكارمِ