مُلكاً لغيري وأصبحت أنا خالي الوِفاضِ بادي الإنفاض لا أملك من هذا المال شَرْوى نقير! أليس الأخلق بي لذلك أن أنفقه وأتسخّى به على أهليه، فأنتفع بعد موتي - إذا أنا فعلت - بالذكر في الناس والحديث الحسن! وأيّةُ قيمةٍ للمال يا ماويّة، ذلك الذي يجيء ويذهب، ويغدو ويروح! أليس الأخلق بالعاقل الثاقب النظر أن يفيد منه ما هو أبقى على الزمن الباقي من الزمن - أن يفيد منه الذكرَ من طريق إنفاقه، والجود به في وجوه استحقاقه! لقد عشنا يا زوجتي حيناً من الدهر أغنياء كما عشنا حيناً فقراء، وكلاً سقاناه الدهر بكأسيهما،
فما أزرى الدهر بأحسابنا، ولا أصغى إناءَ أعراضنا، ولا أسف بأخلاقنا، كما هو شأنه مع ضعفاء النفوس، وكذلك إذ كنا أغنياء، ما أبطرنا الغنى، وما أطغانا، على ذوي قُربانا، لأنّا نعلم علماً ليس بالظن أن المال عرض زائل، أما الجوهر، أما الذكر، أمّا الشرف، أما الخُلق، فكل أولئك هو الذي عليه المعوَّل، وإنه لذخيرة لا تنفد، وهي حسب العاقل الذي راضَ نفسَه على السكون إلى الحقائق، ولم يخلد إلى أمِّ دَفْرٍ باطلِ الأباطيل. . .
أما بعد فلقد أذكرتنا هذه العبقرياتُ الكريمة من القول، عبقريةَ رجلٍ من رجالات السلف لقد بلغ المبالغ في الإحسان واصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، وإنه لحقٌّ علينا أن نعرض شيئاً لهذه العبقريّة من الفعال، إذ أنّ كتابنا هذا ليس بمقصور على العبقريّ من القول وإنما نعرض كذلك للعبقريّ من الأناسيّ في أي معنًى من المعاني على شريطة أن يكون ذلك لِماماً، فلا