للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أظهر الندم عند الموت على ما فرط منه]

لما احتُضِرَ عمرو بنُ العاص جعلَ يدَه في موضع الغُلِّ القيد من عُنُقِه ثم قال: اللَّهمَّ إنك أمَرْتَنا ففرّطنا، ونَهَيْتَنا فرَكِبْنا، اللَّهمَّ إنّه لا يَسَعُنا إلا رحمتُك، فلَمْ يزَلْ ذلك هِجِّيراه حتّى قُبِضَ. . . وقيل لبعض الملوك حين احتُضِرَ: ما حالك؟ فقال: ما حالُ مَنْ يريدُ سفراً بعيداً بلا زادٍ، وينزل حفرةً من الأرض موحشةً بلا مُؤنس، ويَقْدَمُ على ملكٍ جبّار قد قدَّم إليه العُذْرَ بلا حُجّة! وقال عبد الملك بن مروان عند موتِه: وَدِدْتُ أنّي كنتُ غَسّالاً آكلُ كلَّ يومٍ كسبَ يومي لا يفضُلُ عنّي. . . فقيل ذلك لأبي حازم فقال: الحمدُ لله الذي جعلَنا بحيث يتمنّى الملوكُ حالَنا عند الموتِ ولا نتمنّى حالَهم. . . ولمّا أدْنَفَ المأمونُ بن الرشيد أمرَ أن يُفرشَ له جِلٌّ - بساط - فجَعلَ يتمرَّغ فيه ويقول:

كلُّ عَيْشٍ وإنْ تَطاوَلَ دَهْراً ... صائِرٌ مَرَّةً إلى أنْ يَزولا

ليْتَني كنْتُ قبْلَ ما قدْ بَدَا لي ... في رُؤوس الجِبالِ أرْعَى الوُعولا

وأغمِيَ عليه ثُمَّ أفاقَ وهو يقول:

لبَّيْكُما لبَّيْكُما ... ها أنا ذا لَدَيْكُما

اللَّهمَّ لا بَرِيءٌ فأعْتَذِرُ ولا قوِيٌّ فأنْتَصِر

ثُمّ أغمِيَ عليه فلمّا أفاقَ قال:

إنْ تَغْفِرِ اللَّهمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وأيُّ عَبْدٍ لكَ لا ألمَّا