قال عبد الله بن عباس: كتب إليّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بموعظةٍ ما سررتُ بموعظةٍ سُروري بِها! أما بعد، فإن المرء يسُرُّه دَرْكُ ما لم يكن لِيفوتَه، ويسوؤه فوتُ ما لم يكن لِيُدْرِكَه، فما نالك من دنياك فلا تُكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تُتبعه أسَفاً، فلْيَكُنْ سرورُك بما قدَّمت، وأسفُك على ما خَلفّت، وهَمُّك فيما بعد الموت. . . يقول عليٌّ: إن كل شيءٍ يصيب الإنسان في الدنيا من نَفْعٍ وضَرٍّ فَبِقضاءٍ مِنَ الله تعالى وقدره، غير أن الناس لا ينظرون حقَّ النظر في ذلك، فَيُسَرُّ الواحدُ منهم بما يصيبه من النفع، ويُساء بِفوتِ ما يفوته منه، غيرَ عالم بأن ذلك النفعَ الذي أصابه كان لابُدَّ أن يصيبه، وأنّ ما فاته منه كان لابد أن يفوتَه، ولو عرف ذلك حقَّ المعرفة لم يفرح ولم يحزن، وإنَّما الأخْلَقُ بالعاقل أن يأسفَ على ما فاته ويُسَرَّ بما قدمه، مِنَ الخَيْرِ والعملِ الصالح الذي يُجدي عليه في العالم الباقي - الآخرة ومن كلمةٍ للحسن البصريّ: تلْقى أحدَهم أبيضَ بضَّاً يمْلَخُ في الباطل مَلْخاً، يَنْفُضُ مِذْرَوَيْهِ، ويَضْرِبُ أصْدَرَيْه، يقول: ها أنا ذا فاعْرِفوني! قد عَرفْناك فمَقَتك اللهُ ومَقَتكَ الصَّالحون. . . قوله: أبيضَ بضاً