وقال الفيلسوف أبو يعقوبَ الكِنْديُّ: أسبابُ الحزن: فقدُ محبوبٍ، أو فوتُ مطلوبٍ، ولا يَسلَمُ منهما إنسانٌ، لأنَّ الثباتَ والدوامَ معدومان في عالم الكون والفساد؛ وقال الحسن البصري: الدُّنيا دارُ غُمومٍ، فمن عُوجِلَ فُجِعَ بنفسِه، ومن أُجّلَ فُجِعَ بأحبابه؛ وقال بعض الفلاسفة: من أراد أن لا يصابَ بمصيبةٍ، فقد أراد ما لا يكون، لأن المصائب في عالم الكون والفساد طبع بالطبع؛ فينبغي أن يكونَ منّا على بال: أنّ جميعَ الأشياء التي تصل إلينا كانت قبلنا لغيرِنا، فانتقلت إلينا على شريطةِ ما كان لِمَنْ قبلَنا. . . وقيل لسقراط: ما لك لا تجزع؟ قال: لأنّي لا أقتني ما يُحْزِنُني فقدُه. . . وقال ابن الرومي في هذا المعنى:
ومَنْ سَرَّه أنْ لا يَرى ما يَسُوؤُه ... فلا يَتَّخِذْ شيئاً يَخافُ له فَقْدَا
أقول: يريدون بذلك: أنّه لا بدَّ في هذه الدنيا من المصائبِ ما دام، هناك قِنْيةٌ من مالٍ وولدٍ وما إليهما من كلّ ما هو مستهدفٌ لِسهامِ الأيّام، ومن أراد أن لا يصابَ فلا يقتني ما يسوؤه فقدُه - والقِنيةُ لا بدَّ منها في هذه الحياةِ الدنيا، وإذن لا بدَّ من توطين النفس وإعدادِها لتلقي المصائب. . . وإذا كان هناك مَنْ يترامى بمثل هذا الكلام إلى الحثِّ على الزهد، فهذا مرمًى آخرُ، منهم من يفزع إليه لمثل هذا الغرض - توقّي المصائب ما أمكن - ولأغراضٍ أخرى تراها بعد. . . وقالوا: الجزعُ مَنْقصةٌ للحياة، ومن أعانَ على نقصانِ حياته، فقد عظُمَتْ خطيئتُه. . . وقالوا: التأسُّف على الفائِتِ تضييعُ وقتٍ ثانٍ، إن كنت جازعاً لِما أفلتَ منك فاجْزَعْ على ما لَمْ يصل إليك؛ وقال