ابنُ دَرَسْتَوَيْه قولَ مَنْ قالَ في نفسِه قال: وإنّما المعنى: آمنٌ في أهلِه ومالِه وولدِه، ولو أمِنَ على نفسِه وحدَها دونَ أهلِه ومالِه وولدِه لم يُقَلْ هو آمنٌ في سِرْبِه، وإنّما السِّربُ ههُنا: ما للرجلِ من أهلٍ ومالٍ، ولذلك سُمِّيَ قطيعُ البقرِ والظّباء والقَطا والنّساء سِرْباً، وكان الأصلُ في ذلك أن يكونَ الراعي آمِناً في سِرْبه والفحلُ آمناً في سربِه، ثم استُعمل في غيرِ الرُّعاةِ استعارةً فيما شبِّه به. وحيزت: جُمعت وضُمَّتْ، وبِحَذافيرِها: بأسْرِها.
وقال ابن الرومي:
إذا ما كَساكَ اللهُ سِرْبالَ صِحَّةٍ ... ولم تَخْلُ من قُوتٍ يَحِلُّ ويَعْذُبُ
فلا تَغْبِطَنّ المُتْرَفينَ فإنّهُمْ ... على حَسْبِ ما يُعْطِيهِمُ الدَّهْرُ يَسْلُبُ
السِّرْبال: القميصُ، وحلَّ: من الحلال مقابل الحرام، والغبطةُ: أن تتمنّى مثلَ حالِ المغبوط - الحسنِ الحال - من غيرِ أن تريدَ زوالَها، وعلى حسب: على قَدر وعدد وقالوا: من أوتِيَ العافيةَ فظنَّ أنَّ أحداً أوتِيَ أكثرَ منه فقد قلَّلَ كثيراً وكثَّر قليلاً كثّر قليلاً، لأنّ ما عدا العافية فهو قليلٌ بالإضافةِ إليها. . .
عبقريّاتٌ شتى في الدنيا
قال أبو حازم: وما الدُّنيا! أمّا ما مضى فَحُلمٌ وأمّا ما بقيَ فأمانيُّ، وقال بكر بنُ عبد الله: المُسْتغني عن الدُّنيا بالدُّنيا كالمُطْفئ النّارَ بالتِّبْنِ. وقال ابنُ مسعود: الدُّنيا كلُّها غُموم، فما كان فيها من سرورٍ فهو رِبْح.
وقال بعضُ الحُكماء: مثلُ الدُّنيا والآخرةِ مثلُ رجلٍ له ضرّتان إنْ أرْضى إحداهُما أسخطَ الأخرى. . . وقال سُفيانُ الثّوريُّ: تَركَ الملوكُ لكم الحكمةَ فاتركوا لَهُم الدُّنيا. وقال يحيى بن خالد البرمكيّ: دخلنا في الدُّنيا دُخولاً