ولأجل هذين الملحظين، تظاهرت الآيات والأحاديث وما أثر عن الأوائل من العلماء والحكماء والشعراء والربانيين، على ذمِّ البخل وامتداح الجود والإحسان، وأكثروا وافتنوا وأبدعوا، الأمر الذي يدلّ على أنهم قدروا أثر الجود والبخل في الخُلق حقَّ قدره، وأنهم لذلك شنُّوا هذه الغارة الشعواء على الإنسان الأناني الكزِّ الشَّحيح الكامن في نفس كل إنسان. . .
عبقرياتهم في مدح الجود وذمّ البخل
ولنأخذ الآن في عبقرياتهم في ذمّ البخل ومدح الجود والإحسان واصطناع المعروف، والكلام في هذه المعاني يدخل بعضُه في بعض. . . كتب رجلٌ من البخلاء إلى رجل من الأسخياء يخوّفه الفقر، فأجابه:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً}. . . وإني أكره أن أترك أمراً قد وقع لأمرٍ لعلّه لا يقع. يقول سبحانه: إن الشيطان يعد الناس الفقر في الإنفاق، أي يقول لهم: إن عاقبة إنفاقكم أن تفتقروا - والوعد كما يستعمل في الخير يستعمل في الشر - ويأمركم بالفحشاء، أي يغريكم بالبخل ومنع الصدقات إغراء الآمر للمأمور، فالفحشاء هنا: البخل، والفاحش عند العرب: البخيل، قال طرفة بن العبد في معلّقته: