وكان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم - وكان من قبلهم مؤدِّبُهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يَرَوْن - ونعِمّا رأوا - أن السياسة الرشيدة وأن الطريق إلى الإحسان - ولا طريق غيرُها - إنّما تتحقق بالرغبة عن شهوات الحياة الدنيا، وتنكُّبِ السّرفِ والتّرف، وكانوا يريدون عمالهم على هذه السياسة التي لا سياسةَ غيرها.
كان الخلفاء الراشدون مُثُلاً عليا
[في الرغبة عن شهوات الحياة الدنيا]
قال الربيع بن زياد الحارثي: كنت عاملاً لأبي موسى الأشعري على البحرين، فكتب إليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يأمره بالقدوم عليه هو وعماله، وأن يستخلفوا جميعاً. قال: فلما قدمنا أتيت يَرْفأ مولى عُمر فقلت: يا يرفأ مُسْتَرْشِدٌ وابنُ سبيل. . . أيُّ الهيئات أحبُّ إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عمّاله، فأومأ إليّ بالخُشونة. فاتّخذت خُفَّيْن مُطارقين ولبست جُبّة صوف ولُثْتُ عمامتي على رأسي. فدخلنا على عمر، فصفّنا بين يديه، فصعد فينا وصوّب فلم تأخذ عينُه أحداً غيري، فدعاني فقال: من أنْت؟ قلت: الربيع بنُ زياد الحارثي، قال: وما تتولى من أعمالنا؟ قلت: البحرين، قال: كم ترتزق؟ قلت: ألفاً، قال: كثيرٌ. . . فما تصنع به؟ قلت: أتقوّت منه شيئاً وأعودُ به على أقاربَ لي، فما فَضُل عنهم فعلى فقراءِ المسلمين، قال: فلا بأسَ، ارجع إلى موضعك، فرجعت إلى موضعي من