قبلَ انتشارِها صعبٌ عليك إطفاؤها بعدَ أن تنْتشر. وقال بعضُ الملوك لِحكيم: كيفَ لي أنْ لا أغضبَ؟ فقال: بأنْ تكون كلَّ وقت ذاكراً أنّه يجبُ أنْ تُطيعَ لا أنْ تُطاعَ فقط، وأن تَخْدُمَ لا أنْ تُخْدَمَ فقط، وأنْ تتحقّقَ أنَّ اللهَ تعالى يَراكَ دائماً، فإذا فعلْتَ ذلك لم تغضَبْ وإنْ غضبْتَ غضبْتَ قليلاً. . .
وقالوا: من غَضِبَ قائِماً فقَعَدَ سكَنَ غضبُه، وإنْ كان قاعِداً فاضْطَجَعَ سَكَنَ.
وكانت العرب تقول: إنّ الرثيثةَ تَفْثأُ الغَضَبَ: الرثيثة: اللبنُ الحامِضُ يُصبُّ عليه الحليب، وهو أطيبُ اللّبن، وتفثأ الغضبَ: تُسْكنه وتكسِرُ حِدَّته وخطبَ معاويةُ يوماً فقال له رجلٌ: كذَبْتَ، فنزل مُغْضَباً، فدخل منزلَه، ثمَّ خرجَ عليهم تقطُرُ لِحيتُه ماءً، فصَعِدَ المِنْبرَ فقال: أيُّها الناسُ، إنَّ الغضبَ مِنَ الشيطان، وإنَّ الشيطانَ مِن النار، فإذا غضِبَ أحدُكم فلْيُطْفِئَه بالماءِ؛ ثمَّ أخذَ في الموضِعِ الذي بلغَه مِنْ خُطْبته.
وفي الحديث:(إنَّ الغَضبَ جَمْرةٌ تُوقَدُ في جوفِ ابْن آدمَ، ألَمْ تَرَوْا إلى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وانْتِفاخِ أوْداجِه). . . .
من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ
خاطر رجلٌ آخرَ على أنْ يُغْضبَ الأحْنفَ بْنَ قيس، فجَاءَه فخَطَبَ إليهِ أمَّه، فقال: لَسْنا نردُّك انتقاصاً لِحَسَبِك، ولا قِلَّةَ رغبةٍ في مصاهَرَتِك ولكنَّها امرأةٌ قدْ علا سِنَّها، وأنْتَ تحتاج إلى امرأةٍ وَلودٍ وَدودٍ تأخذُ من خُلُقِك، وتستمِدُّ من أدبِك؛ ارْجِعْ إلى قومِك وأخبرهُمْ أنّك لمْ تُغضبْني.