للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طائفة من عبقرياتهم في التعازي]

ولنعطف الآنَ على الباب الثالث عبقرياتهم في الصبر والدنيا والموت والمرض فَلْنَسِرْ فيه ولنورد عليك سائرَ عبقرياتهم في التعازي ثم نختتم البابَ بعبقرياتهم في المرض وما يتصل به.

[التسلية بعد وقوع المحذور]

قالوا: كلُّ شيءٍ يبدو صغيراً ثم يعظمُ، إلا المصيبةُ، فإنها تبدو عظيمة ثم تصغر واشْتكى ابنٌ لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فجزِع عليه، ثم مات، فرُؤي متَسلّياً، فقيل له في ذلك؟ فقال: إنما كان جَزعي رقَّةً له ورحمةً، فلما وقع المصابُ زال المحذورُ. . . . ومَرِض ابْنٌ لبعض السلف فجزِع، ثم مات فلم يَجْزَعْ، فقيل له! فقال: أما بعدَ وقوعِ الأمْرِ فلم يبقَ إلا الرضا والتسليم. . . وقال البحتري:

صعوبةُ الرُّزْءِ تُلْقى في تَوَقُّعِه ... مُسْتَقبَلاً وانْقِضاءُ الرُّزْءِ أنْ يَقَعا

وقبله قال أوسُ بن حَجَر:

أيَّتها النَّفْسُ أجْمِلي جَزَعاً ... إنَّ الّذي تَحْذَرينَ قدْ وَقَعا

وما يتصل بهذا المعنى قولُ أبي نواس يرثي المأمون:

وكُنْتُ علَيْهِ أحْذَرُ المَوْتَ وَحْدَه ... فلَمْ يبقَ لي شَيْءٌ عليه أحاذِرُ

وقال بعضهم: نزلْتُ بامرأة ذاتِ أوْلادٍ وثروةٍ، فلمّا أرَدْتُ الارْتِحالَ قالت: لا تُخْلِني إذا وَرَدْتَ هذا الصُّقْعَ، ثم أتيتُها بعدَ أعْوامٍ، فوَجَدْتُها قد افْتَقرتْ وثَكَلَتْ أوْلادَها، وهْيَ ضاحِكةٌ مَسْرورةٌ، فَسَألتُها؟ فقالت: إنّي كنتُ ذاتَ ثروةٍ وجاهٍ، وكانت ليَ أحزانٌ، فعلِمْتُ أنّ ذلكَ لِقِلَّةِ الشّكْرِ،