سُبِقْنا إلى الدُّنيا فلَوْ عاشَ أهلُها ... مُنِعْنا بها مِنْ جَيْئَةٍ وذُهوبِ
تَمَلَّكها الآتي تَملُّكَ سالِبٍ ... وفارقَها الماضي فِراقَ سَليبِ
ولا فَضْلَ فيها للشَّجاعةِ والنَّدى ... وصَبْرِ الفَتى لولا لِقاءُ شَعوبِ
يقول في البيت الرابع: لولا الموتُ لَما كان لهذه المعاني فضلٌ، وذلك أن الناس لو أمِنوا الموت لَما كان للشجاع فضلٌ على الجَبان، لأنّه قد أيقن بالخُلودِ، وكذلك لو أمِنوا الموتَ لاسْتوى الكريم والبخيل والصابر والجازع، وكذلك كل الأشياء وقال أيضاً:
إلْفُ هذا الهَواءِ أوْقَعَ في الأنْ ... فُسِ أنَّ الحِمامَ مُرُّ المذاقِ
قال أبو العلاء المعري: إن هذين البيتين يَفضُلان كتبَ الفلاسفةِ لأنّهما متناهيانِ في الصدق وحسن النظام، ولو لم يقُل شاعِرُهما سِواهما لكان له شرفٌ منهما وجمال.
يقول المتنبي: إن خوفَ الموت من أكاذيب النفس، ومن إلفنا هذا الهواء، وإلا فقد عُلِمَ أنَّ الحزن على فراقِ الروحِ قبل فراقِه عَجْزٌ، وعُلِمَ أيضاً أنّ الحزنَ على المُفارقة لا يكونُ بعدَ الموت، فلِماذا يَحْزنُ الإنْسانُ؟