للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التّهافتِ على شهواتها، والاعتبار بعبرها، والتزوّد فيها لما بعدها، ومن ينكر أن ذلك جميلٌ ونافعٌ! ذمَّ رجلٌ الدُّنيا بحضرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال عليٌّ: اسكت، فإنّ الدنيا دارُ صدقٍ لمن صدَقَها، ودارُ غِنًى لمن تزوَّد منها، ودارُ عافيةٍ لمن فَهِمَ عنها، ودار موعظةٍ لمن اتّعظ بها، مَهْبِطُ وحي الله، ومَتْجَرُ أوليائه. . . إلى آخر ما قال. ومن كلامه أيضاً رضوان الله عليه: الناسُ أبناءُ الدُّنيا ولا يُلامُ المرءُ على حُبِّ أمّه. . . وسيمرّ عليك كثيرٌ من أمثال هذا. . .

[أسماء الدنيا]

الدُّنيا: اسْمٌ لهذه الحياة وتُكْنى الدُّنيا: أمُّ دَفْرٍ، أسماها بذلك - كما أسلفنا - سيّدُنا رسول الله، والدَّفْرُ: النَّتَن، وتُكنى كذلك: أمَّ شَمْلَةَ، أنشد ابن الأعرابي:

مِنْ أُمِّ شَمْلَةَ تَرمِينا بذائفِها ... غَرَّارةً زِينَتْ منها التَّهاويلُ

وكذلك تُكنى الخمر: أمَّ شملة، قال أبو عمرو بن العلاء: إنّما سُمّيت الدُّنيا والخمرُ بذلك لأنّهما يشتملان على عقل الإنسان فيُغيّبانِه. . . أقول: ومن ينكر أنّ أبناءَ الدنيا، من شدّة تعلُّقهم بها وتكالُبهم عليها، وضراوتِهم بشهواتِها، وافتتانهم بزينتِها وخوضِهم غمراتِها، بحيث يُعدُّون كأنّهم مُنْزفون مُسْتلبو العقول حتى إذا رماهم هاذمُ اللذّاتِ بِسهامِه صَحَوا وأفاقوا. . . وصدق سيدُنا رسولُ الله إذ يقول صلواتُ الله عليه: (الناسُ نِيامٌ فإذا ماتوا انْتَبهوا). . . أمّا الدهر - وهو اسمٌ لزمانٍ متصل، والزّمانُ اسمٌ لدهرٍ منفصل - فقد سمَّوه أبا العجب قال:

وما الدَّهْرُ في فِعْلهِ إلا أبو العَجَبِ

والنسبة إلى الدنيا: دنياوي، ويقال: دُنْيويّ ودُنْييٌّ - وجمعُها دُنًى، وإنّما