وما اكتأَبَتْ نَفْسٌ فَدامَ اكْتِئابُهَا ... ولا ابْتَهَجَتْ نَفْسٌ فدامَ ابْتِهاجُها
ودخل أعرابيٌّ عُمِّرَ مائة وعشرين سنة على معاوية رضي الله عنه، فقال له: صِفْ لنا الدُّنيا، فقال: سُنيّاتُ بلاء وسُنيّات رخاء، يُولدُ مولودٌ ويَهلِكُ هالكٌ ولولا المولودُ بادَ الخلقُ، ولولا الهالِكُ ضاقت الأرض.
الدنيا غرّارة
قال بعضهم: هذه الدُّنيا قَحْبَةٌ يوماً عند عطّار، ويوماً عند بيطار. . .
وقال المتنبي:
فَذي الدّارُ أَخْونُ مِن مُوْمِسٍ ... وأخْدَعُ من كفَّةِ الحابِلِ
تَفَانى الرِّجالُ على حُبِّها ... وما يَحْصُلونَ على طائِلِ
الحابل: الصائد ذو الحِبالة، وهي الشَّرك، والطائل: ما كان له قدر. يقول المتنبي: إن هذه الدنيا فاجرةٌ خوّانة لبنيها كالمومس تخلف من وَثِقَ بها، وهي كذلك أخدعُ من حِبالة الصائد تصرع من اطمأنَّ إليها، ثم قال في البيت الثاني: تفانى الناس على حبِّها ومع ذلك لم يحصلوا من أمرها على طائلٍ لأنها تستردُّ ما تعطيه وتهدم ما تبنيه، وتَمَرُّ بعد حلاوتها وتَعْوجُّ بعد استقامتها.
وقالوا: مثلُ الدُّنيا مثلُ الحيّة ليِّنٌ مسّها وفي جوفها السُّمُّ النّاقع، يهوي إليها الصبيُّ الجاهل، ويحذرها الحازمُ العاقل. يهوي إليها: يسرع وذلك كما تقول رأيتُ فلاناً يَهْوي نحوك، معناه: يريدك، قال تعالى:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}: أي تريدهم وتسرع وقال أبو عمرو بن العلاء: كنت أدورُ في ضيعتي في شدّة الحرِّ فسمعت هاتِفاً يقول:
وإنَّ امْرَأً دُنْياهُ أكْبَرُ هَمّهِ ... لَمُسْتَمْسِكٌ منها بِحَبْلِ غُرورِ