وخطب آخرُ إلى معاويةَ أمَّه: فقال: ما الذي رغَّبك فيها وهْيَ عَجوزٌ؟
فقال: إنّها عجوزُ عَظيمةُ العَجُزِ! فقال: لعلّك خاطَرْتَ على أن تُغْضِبَ سيِّدَ بني تميم؟ قال: نعم، قال: ارْجِعْ فلست به.
وشتَمَ رجلٌ الأحْنفَ وألحَّ عليه، فلمّا فرغَ قال له: يابْنَ أخي، هل لكَ في الغَداء؟ فإنّك منذُ اليومِ تَحْدو بجملٍ ثَفالٍ. . . . الثفال: البَطيءُ الثقيلُ الذي لا يَنْبَعِثُ إلا كَرْهاً
ورُوي أنَّ رَجلاً خاطرَ آخرَ على أن يقومَ إلى معاويةَ إذا سجدَ فيضَعَ يدَه على كَفَلِه ويقول: سبحانَ اللهِ يا أميرَ المؤمنين! ما أشْبَه عُجَيْزَتَك بِعُجَيْزة أمِّك هندٍ! ففعل ذلك، فلمّا انْفتلَ
معاويةُ عَنْ صَلاتِه قال له: يا أخي، إنَّ أبا سُفيانَ كان مُحْتاجاً إلى ذلك مِنْها، فخُذْ ما جَعلوهُ لك، فأخذه ثم خاطرَه آخرُ بعدَ ذلك أنْ يقومَ إلى زيادٍ وهْوَ في الخُطبة فيقول: أيُّها الأميرُ من أمُّك؟ ففعل؛ فقال زياد: هذا يُخبِرُك - وأشار إلى صاحبِ الشُّرطةِ - فَقدَّمه وضَرَبَ عنقَه، فلمّا بلغَ ذلك معاويةَ قال: ما قَتلَه غيري، ولوْ أدَّبْتُه على الأولى ما عادَ إلى الثانية. . .
وقيل للأحنف: مِمّنْ تعلّمْتَ الحِلْمَ؟ قال: مِنْ قيس بن عاصِم المِنْقَريِّ، رأيته قاعِداً بفِناءِ دارِه مُحتبياً بِحَمائِلِ سيفِه يُحدِّث قَوْمَه، حتّى أتيَ بمَكتوفٍ ورجُلٍ مقتولٍ، فقيل له: هذا ابنُ أخيك قَتلَ ابنَك. قال: فو اللهِ ما حلَّ حُبْوتَه ولا قطع كلامَه، ثم التفتَ إلى ابن أخيهِ فقال: يا ابن أخي أثِمْتَ بِرَبِّك، ورمَيْتَ نفسَك بسهمِك، وقتلت ابْنَ عمِّك؛ ثمّ قال لابْنٍ له آخر: قُمْ يا بُنَيَّ فَوارِ أخاك وحُلَّ كِتافَ ابْنِ عَمِّك وسُقْ إلى أمِّك