قوله: لا تضيرك ضيرةً، فالعرب تقول: ضارَه يَضيرُه ضَيْراً وضَيْرةً - المَرّةُ من الضّيْرِ - ولا ضَيْرَ عليك، وضَرَّه يَضُرُّه ولا ضَرَرَ عليه، والمَخْشاةُ مَصْدَرُ خَشِيَه يَخْشاه خَشْيةً ومَخْشاةً ومَخْشِيةً: خافَه، وفي معنى هذا البيت يقول أبو العتاهية:
وقد يَهْلِكُ الإنسانُ من بابِ أمْنِه ... ويَنْجو بإذْنِ اللهِ من حيثُ يَحْذَرُ
والأصلُ في هذا قولُه عزَّ وجلَّ:{فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}، وقوله: ولا خيرَ فيمن لا يوطّن نفسَه. . . البيت: نظيرُه قولُ كثيّر عزّة:
أقولُ لَها: يا عَزُّ، كلُّ مُصيبةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يَوْماً لَها النَّفْسُ ذَلَّتِ
قال عبد الملك: لو قال كثيّر هذا البيتَ في صفة الحرب لكان أشعرَ النّاس، وفي الأثر:
للمِحَنِ أوقاتٌ ولها غاياتٌ، واجتهادُ العبدِ في مِحْنَتِه قبل إزالةِ اللهِ لها، زيادةٌ فيها قال تعالى:{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}. . . وقالوا: المُمْتَحَنُ كالمُخْتَنِقِ كلّما ازدادَ اضْطراباً ازدادَ اخْتِناقاً. . . وحُكي عن بعضِ الصالحين: أنّ ابناً له مات فلم يُرَ به جزعٌ، فقيل له في ذلك فقال: هذا أمرٌ كنا نتوقَّعُه، فلمّا وقع لَمْ نُنْكره. . . وقالوا: من أراد طولَ البقاءِ فليوطِّن نفسَه على المصائب؛ وقالوا: المُصيبةُ للصّابرِ واحدةٌ وللجازعِ اثنتان، وقال أكثم بن صيفيٍّ: حيلةُ مَنْ لا حيلةَ له: الصبرُ. وسيّد الكلام في الصبر قولُ المصطفى صلوات الله عليه:(لو كان الصَّبْرُ رجلاً لكان رَجُلاً كريماً) الكريم ضِدُّ اللئيم.