لما تكلم عن علامات الرفع شرع في بيان علامات النصب؛ فقدم الرفع لكونه مختصا بالعُمَد، وثنى بالنصب لكونه مختصا بالفضلات. والعُمَد المراد بها: ما لا يُتَصوَّر خُلُوُّ الكلام منها، قلنا: الكلام لابد له من إسناد، والإسناد يقتضي: مسندًا ومسندًا إليه، والمسند إليه يكون مبتدأ أو فاعلاً أو نائب فاعل، والمسند يكون خبرًا أو فعلاً. وإذا قلنا: أقل ما يتألف منه الكلام اسمان أو اسم وفعل، فهل يتصور خلو جملة اسمية أو جملة فعلية عن مرفوع؟ هل يوجد كلام اصطلاحي ولا يوجد فيه لفظ مرفوع؟ الجواب: لا، لا يمكن؛ لأن أقل ما يتركب منه الكلام اسمان، أو اسم وفعل. فقولك: زيدٌ قائم، زيد: مبتدأ مرفوع. وقائم: خبر مرفوع. قام زيد، زيدٌ فاعل مرفوع. وقام: فعل. ضُرب زيدٌ، زيدٌ: نائب فاعل، إذًا لا يتصور أن يوجد كلام ولا مرفوع فيه أبدا، فحينئذٍ صار المرفوع عمدة، وإذا صار عمدة حينئذٍ هو أولى بالمراعاة والتقديم ورِفعة شأنه. أما المنصوب، فيمكن أن يخلو الكلام من منصوب بل هو فضلة يعني ليس بعمدة، ولا نقول الفضلة: ما يستغنى عنه كما اشتهر عند كثير من المتأخرين، بل الفضلة: ما ليس بعمدة، لأنه إذا قيل: ما يستغنى عنه يعني ما يصح حذفه ويصح التركيب بدونه، نحو: ضربت زيدًا. يصح أن تقول: ضربت، وتحذف المفعول به، ويصح الإخبار بإحداث الضرب ونسبته إليه، فتُغفِل جانب المفعول