للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:
مسار الصفحة الحالية:

(وَالتَّأَنُّقٍ انْ تَسَل) بحذف الهمزة (وَالتَّأَنُّقُ) يعني مما ينبغي العناية به (التَّأَنُّقُ)، (انْ تَسَل) عنه فينبغي للمتكلِّم شاعرًا كان أو كاتبًا أن يَتَأَنَّقَ أي يفعل فعل التَّأَنُّقِ في الرياض من تتبع الأَنَقِ والأحسن، الأنق هو الأحسن عطف تفسير في أول كلامه وآخره، فالأول التأنق في أول الكلام موجب لإقبال نفس السامع، والثاني يعني في آخر الكلام يزيدها إقبالاً على ما مضى وجابر لما يقع قبله من التقصير في التعبير، وهذا يحتاجه الخطباء منكم، فالأول يكون بحسن الابتداء وأشار إليه بقوله (بَرَاعَةُ اسْتِهْلاَلِ)، وهو أن يقدم في أول كلامه ما يُشعر بالمقصود، يعني إذا أراد في المقدمة الخطبة يأتي: إن الحمد لله، والحمد لله، ويأتي بما يُشعر بالحديث عنه سيتكلم في الربا يأتي بآية تدل على الربا، إشارة إلى ما سيق الكلام لأجله كقوله بالتهنئة بُشْرَى فقد أنجز الإقبال ما وعد، إذًا بُشرى ما بعده فيه بشارة، ومن محاسن الابتداء صنعة الانتقال من المطلع إلى المقصود، يعني إذا أتى بالمقدمة كيف يدخل في المقصود؟ كيف ينتقل؟ لا بد من كلمة ينتقل بها يخرج على المقدمة إلى المقصود يُسَمَّى صَنْعَة الانتقال، وهو الذي عناه بقوله: (بَرَاعَةُ اسْتِهْلاَلِ) بانتقال، يعني صنعة الانتقال من المطلع، المطلع هو (بَرَاعَةُ اسْتِهْلاَلِ) إلى المقصود بالحديث، وهو ما أشار إليه بقوله: (انْتِقَالِ) وهو ثلاثة أقسام:

الأول: التخلص، يُسمى التخلص: وهو الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود مع رعاية المناسبة بينهما.

الثاني: الاقتضاء. وهو الانتقال إلى ما يلاءمه.

الثالث: فصل الخطاب. هذا هو الأشهر، وهو لفظ: أما بعد. وهو السنة، وهو متوسط بينهما، واتفق البيانيون على أن فصل الخطاب هو: أما بعد، لا خلاف عندهم في هذا. ومنه هذا، وإن للمتقين. هذا، وإن، هذا تقوم مقام أما بعد، هذا، وفي الأسماء ما لا ينصرف.

وثالث المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها الانتهاء، وعبر عنه الناظم بقوله: (حُسْنُ الْخِتَام) يعني من (حُسْنُ) الكلام ختمه بما يشعر بتمامه بحيث لا يكون بعده للنفس تشوق، كقوله:

بَقِيتَ بَقَاءَ الدَّهْرِ يا كهف أهله ... وهذا دُعَاءٌ للبرية شاملُ

لأن مما يختم به الدعاء، فإذا دعا علمت أنه قد ختم، وانتهى المقال. وانتهى المقال هكذا المقال. وانتهى المقال هذا من (حُسْنُ الْخِتَام) لأنه جاء بكلمة انتهى، و (المَقَالِ) بمعنى القول، يعني انتهى النظم على هذا الذي ذكره الناظم رحمه الله تعالى، ونحن كذلك نكون قد انتهينا بقوله: انتهى ... (مُنْتَهَي المَقَالِ) من التعليق والشرح لهذا المتن. وقلنا: هو يعتبر متنًا مختصرًا أَجْمَلَهُ في مئة بيت يَشْتَغِلُ به من لا عناية له بـ ((الْجَوْهَرِ الْمَكْنُون))، وأما من له رغبة فـ ((الْجَوْهَرِ)) أحسن وأكمل وأعلى درجة من هذا النظم.

هذا النظم مختصر وبه خلل كبير، وخاصة في علم البيان، والله أعلم.

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص: