الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
وقفنا عند تعريف الحقيقة، وعرفنا أن تعريف الحقيقة إنما ينبني عليه فهم المجاز، المجاز هو ضد الحقيقة، حينئذٍ هو فرع والحقيقة أصل، ولا يمكن أن يُفهم الفرع إلا بفهم أصله، وعرفنا أنها في الأصل فَعِيل بمعنى فَاعَل من حَقَّ الشيء إذا ثَبَتَ، أو بمعنى مفعول فإن الكلمة ثابتة في مكانها الأصلي، أو كلمة مُثْبَتَةٌ في مكانها الأصلي، وأما في العرف في الاصطلاح عند البيانيين فالحقيقة هي الكلمة المستعملة في معنًى وضعت له في اصطلاح التخاطب، كلمة مستعملة في معنًى وضعت له في اصطلاح التخاطب، في اصطلاح هذا متعلق بقوله: وُضِعَت. وليس المراد به اسْتُعْمِلَت، يعني ليس متعلقًا بقوله: المستعملة. وإلا فسد المعنى، وإنما يكون متعلقًا به قوله: وُضِعَت. الكلمة عَبَّرَ بالكلمة هنا ولم يقل اللفظ المستعمل، وقد قال به بعضهم لأن المجاز كما يكون مفردًا كذلك يكون مركبًا، حينئذٍ الحقيقة كذلك تكون مفردةً وتكون مركبة. فالوصف بالحقيقة توصف به المفردات ويوصف به المركبات. وقولنا: الكلمة. حينئذٍ خرج المركب. إذًا المركب لا يكون حقيقةً، لم يقل اللفظ المستعمل مع شموله للمفرد والمركب، لأن اتصاف المركب بالحقيقة والمجاز إنما هو باعتبار مفرداته، فإذا كان وصف المركب بكونه حقيقةً وبكونه مجازًا باعتبار المفردات، إذًا يكون الأصل في وصف الحقيقة والمجاز هو المفرد وهو الكلمة. إذًا قال: الكلمة. لأنها هي أصل في المجاز المفرد والحقيقة المفردة، وهي أصل في المجاز المركب وكذلك في الحقيقة المركبة.
إلا إذًا اتصاف المركب بالحقيقة والمجاز إنما هو باعتبار مفرداته التي تركب منها وهي الكلمات، لذلك قال: الكلمة المستعملة. لا باعتبار كونه مركبًا مع أنه يجوز أن يراد بالكلمة معناها اللغوي الشامل للمركب أيضًا، يعني الكلمة إذا أريد به المعنى الاصطلاحي خرج المركب، كيف أخرجنا المركب وهو موصوف كذلك بالحقيقة؟ نقول: وصفه بالحقيقة باعتبار مفرداته إذا رجعنا إلى المفرد، فنأخذ الكلمة جنسًا في الحدّ، أو يكون المراد بالكلمة معناها اللغوي، وهي: ما يصدق على الجمل أو الجملة المفيدة، على كلٍّ هذا أو ذاك [يوصف بحقيقة المجاز](١) يوصف بالحقيقة الكلمة والمركب.
الكلمة المستعملة خرج به الكلمة المهملة، خرج بالمستعملة المهملة حينئذٍ لا يوصف بكونه حقيقةً وكذلك ولا مجازًا لأن الوصف بكونه حقيقةً أو مجازًا إنما هو للمستعمل، وأما المهملة الذي لم تضعه العرب وهو متروك من أصله هذا لا يوصف لا بإعراب ولا بناء ولا حقيقة ولا مجاز ولا بترادف ولا تباين ولا غيره، كل ما يتعلق بأوصاف الكلمات المستعملة فهو منفي عن الكلمات المهلمة كـ ديز ورفعج مقلوب زيد ومقلوب جعفر، هذه ليست بكلمات مستعملة فلا يلحقها تلك الأوصاف.