للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عناصر الدرس]

* البلاغة وموصوفاتها.

* الصدق والكذب.

* الفن الأول: علم المعاني.

* تعريف علم المعاني وحصر أبوابه.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ذكرنا أن الناظم رحمه الله تعالى قَدَّم مقدمة هذه العلوم الثلاث، وما يتعلق بالحديث عن الفصاحة والبلاغة.

وحيث كان الموصوف بالفصاحة متعدِّدًا:

إما أن يكون مفردًا.

وإما أن يكون متكلمًا.

وإما أن يكون كلامًا.

حينئذٍ تعذر أن يُعَرَّفَ أو تُعَرَّف الفصاحة بتعريف واحد، لأن الفصاحة في المفرد مغايرة للفصاحة في الكلام، والفصاحة في الكلام مغايرة للفصاحة في المتكلم، فهي متباينة، فإذا كان كذلك فحينئذٍ يتعذر أن نجمعها في تعريف واحد، فذكر فصاحة المفرد، ثم المتكلم، ثم الكلام.

كذلك الشأن في البلاغة فإنها تختلف، فالذي يوصف بها أمران:

إما الكلام.

وإما المتكلم.

وكلاهما متغايران، فحينئذٍ يمتنع أن تُجْمَعَ في تعريف واحد فكان الأنسب أن يُفرد كل حديث أو كل موصوف من هذه الموصوفات بحديث عنه يبين ما الذي يُشترط فيه وما الذي لا يُشترط فقال:

فَصَاحَةُ المُفْرَدِ فِي سَلاَمَتِهْ ... مِنْ نُفْرَةٍ فِيهِ وَمِنْ غَرَابَتِهْ

وَكَونُهُ مُخَالف الْقِيَاسِ ... ..........................

يعني: فصاحة المفرد لا تحقق إلا إذا سلم اللفظ المفرد وهو الكلمة الواحدة من هذه الثلاثة الأشياء كلها، فإذا وُجِدَ فيها واحد منها حينئذٍ حكمنا على اللفظ أو الكلمة الواحدة بأنها ليست فصيحة، وعرفنا المراد بالنُّفرة التنافر بين الحروف وله درجتان: أعلى، وأدنى. كذلك الغرابة والمراد بها متعلقة بالمعنى ولها درجتان كذلك: أعلى، وأدنى.

(وَكَونُهُ مُخَالف الْقِيَاسِ) قلنا: المراد بالقياس هنا القانون العربي يعني: ما وضعته العرب سواء كان موافقًا للقياس الاصطلاحي عند الصرفيين، أو كان مخالفًا لهم، فيشمل حينئذٍ ما كان قياسيًّا وما كان سماعيًّا.

ثم انتقل إلى موصوف آخر وهو الكلام.

قال: (ثُمَّ الفَصِيحُ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ). يعني: الكلام الفصيح لا يُحْكَم عليه بكونه فصيحًا إلا إذا سَلِمَ من ثلاثة أشياء، فإن وُجِدَ فيها واحد منها حكمنا على الكلام بكونه ليس فصيحًا، وهنا الناظم ترك شرطًا مهمًا يذكره البيانيون وهو

(ثُمَّ الفَصِيحُ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ) مع اشتماله على فصاحة الكلمات بمعنى أنه لا يمكن أن يكون الكلام فصيحًا وهو قد سَلِمَ من هذه الأمور الثلاث وهو مشتمل على كلمة ليست فصيحة، فحينئذٍ يكون خارجًا عن مُسِمَّى الفصاحة، وإنما لم يذكره الناظم قد يقال بأنه ترك هذا القيد بناءً على أن هذا القيد متفق عليه، وإذا كان متفق عليه فحينئذٍ صار مشهورًا عند البيانيين فلا يحتاج إلى اشتراطه.

وفصاحة الكلام هي سلامته من ثلاثة أشياء:

(مَا كَانَ مِنْ تَنَافُرٍ سَلِيمَا) [ما كان سليمًا ما كان الكلام الفصيح] (١) ما كان الكلام سليمًا من تنافر الكلمات، التنافر هنا ليس بين الحروف وإنما بين الكلمات بعضها بجوار بعض، وأما الكلمة بذاتها بنفسها فهي فصيحة، (أَمْدَحُهُ أَمْدَحُه) هذا حصل بينهم تنافر، لكن ليس لذات أَمْدَحُهُ لوحدها وإنما لكونها كُرِّرَت.


(١) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>