للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَمْ يَكُنْ تَألِيفُهُ سَقِيمَا) يعني: ضعيفًا، وذلك فيما إذا كان مخالفًا لما كان عليه السنن العربية، وهي القواعد التي وضعها النحاة كإلحاق الفعل علامة تدل على أن الفاعل الظاهر مثنى أو مجموعًا أو نحو ذلك.

الثالث (وَهْوَ مِنَ التَعْقِيدِ أَيْضًا خالِي) يعني التعقيد يعني كون الكلام معقدًا وعرفنا أن له سببين:

السبب الأول: ما يرجع إلى اللفظ كالتقديم والتأخير، والحذف دون قرينة، ونحو ذلك.

والسبب الثاني: ما يرجع إلى المعنى بأن يستعمل لفظًا يكون الانتقال فيه من الظاهر إلى المعنى المراد فيه بُعْد لا جمود كما ذكرنا في المثال السابق. هذا ما يتعلق بما مضى.

ثم انتقل الناظم رحمه الله تعالى مبينًا الكلمة الأخرى وهي البلاغة فقال: (وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْحَالِ فَهْوَ الْبَلِيغُ). (وَإِنْ يَكُنْ) أي: الكلام الفصيح. (مُطَابِقًا لِلْحَال فَهْوَ الْبَلِيغُ) إذًا البلاغة تقابل الفصاحة وبينهما قدر مشترك، وذهب بعض البيانيين إلى أن البلاغة والفصاحة بمعنى واحد يعني: مترادفان. هما يجتمعان ويفترقان، ولذلك لا يكون الكلام بلغيًا إلا إذا كان فصيحًا، والعكس ليس كذلك قد يكون فصيحًا ولا يكون بليغًا، ولكن لا يكون بليغًا إلا إذا كان فصيحًا - كما سيأتي -.

نقول: ثم شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيان ما يتعلق باللفظة الأخرى وهي البلاغة، والبَلاغَة وزن فَعَالَة، فَصَاحَة بَلاغَة، من بَلُغَ يعني فَعُلَ، لأن فَعُل يأتي مصدر القياس منه على فَعَالَةٍ، وهي تُنْبِئ في اللغة عن الوصول والانتهاء يعني: إذا بلغ الشيء ولذلك نقول: بلوغ، يعني: وصل إلى الحدّ الذي يكون مكلفًا من جهة الشرع، ولذلك نقول: بلغت الثمرة. يعني: وصلت الحد الذي تكون صالحة للقطف ونحوها، إذ هي مأخوذةٌ من بَلُغَ بالضم إذا انتهى، حينئذٍ إذا وُصِفَ الكلام يقول: لا بد أن يكون فيه من المعنى اللغوي بمعنى أنه بلغ النهاية في الحسن، يقال: كلامٌ بَلِيغٌ وخطيب بليغٌ. الكلام في البلاغة الآن عرفنا الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء: كلمة فصيحة، كلام فصيح، متكلم فصيح. ثلاثة أشياء.

أما البلاغة فتشترك مع الفصاحة في الكلام والمتكلم، يقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ وليس عندنا كلمة بليغة إذا أريد بالكلمة اللفظة الواحدة، وأما إذا أريد بالكلمة التي هي الجمل المفيدة حينئذٍ صارت وصفًا للكلام، ألقى زيد من الناس كلمة بليغة، يقال: كلمة، لم يقل: يقول زيد، ووصفناها بالبلاغة، وإنما الكلمة المراد بها المعنى اللغوي وهي إطلاقها على الجمل المفيدة وعلى الجملة المفيدة، فحينئذٍ صح لكن لا بالاعتبار الذي يريده البيانيون إذًا يقال: كلام بليغ وخطيب بليغ، ولم يسمع كلمة بليغة إذا أريد بالكلمة اللفظة الواحدة، فبلاغة الكلام أشار إليها الناظم بقوله: (وَإِنْ يَكُنْ). أي: الكلام الفصيح (مُطَابِقًا) اسم فاعل من طَابَقَ يُطَابِقُ فهو مُطَابِق يعني: مُوَافِق. قولهم: طابق النَّعْلُ النَّعْلَ إذا توافق، كما سميت دلالة المطابقة لتطابقها يعني: مع المعنى، طابق اللفظ المعنى والمعنى اللفظ بحيث لم ينقص المعنى عن مدلول اللفظ ولم يزد اللفظ عن مدلول المعنى - كما مر معنا -.

<<  <  ج: ص:  >  >>