هذا هو الباب الأول من الأبواب الثمانية التي نظمها هذا العلم، وهو علم المعاني حيث ذكر أنه (مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ)، وأول الأبواب هذا ما يتعلق بالإسناد.
قال:(أَحْوَالُ الإِسْنَادِ الْخَبَرِيِّ). ثلاث كلمات لكل واحد منها محترز، و (الْخَبَرِيِّ) احترازًا عن الإنشائي، وهل أخرج الإنشائي وليس بداخل؟
ليس هذا المراد، وإنما مرادهم أن التركيز في هذا الموضع يكون على الخبر، ولذلك قصد، وليس فيه احترازًا عن الإنشاء. و (أَحْوَالُ) بمعنى أمور عارضة وهو جمع حال، يعني: صفات تَعْرِض على الإسناد. والإسناد مصدر أَسْنَدَ يُسْنِدُ إِسْنَادًا، والإسناد عند البيانيين كغيرهم نسبة حُكْمٍ إلى اسم إيجابًا أو سلبًا، نسبة حكم نسبة بمعنى إضافة، إذا قلت: زَيْدٌ قَائِم. أضفت إلى زيد القيام، نَسَبْتَ إلى زيد القيام، فزَيْدٌ منسوب إليه وقائم منسوب، والذي نسبته هو ثبوت القيام، نسبة حكمٍ، والحكم المراد به هنا على جهة الإجمال الخبر والفعل، لأنك إذا قلت: زَيْدٌ قَائِمٌ. أثبت لزيد مضمون لفظ قائم وهو القيام، إذا قلت في الجملة الفعلية: قام يقوم زيد. فنسبت إلى زيد القيام، فالفرق بين قام زيد ويقوم زيد أنك نسبت القيام في قام زيد إلى زيد في الزمن الماضي، ويقوم زيد نسبت القيام إلى زيد في الزمن الحال أو المستقبل، واضح هذا؟ إذًا نسبة حكمٍ أي: مضمون الخبر أو مضمون الفعل إلى اسم المراد به المبتدأ والفاعل أو نائب الفاعل، فإذا قلت: قَامَ زَيْدٌ. زَيْدٌ هذا فاعل إذًا نسبتَ حكم وهو القيام الذي دل عليه قام إلى زيدٍ، وزيد هذا من حيث المعنى مسنَد إليه، وهو الذي يعنيه البيانيون، كذلك إذا قلت: زَيْدٌ قَائِمُ، زيد عند البيانيين يُسَمَّى ماذا؟ مُسْنَدًا إليه، وعند النحاة مبتدأ، وعند المناطقة موضوع، ليس محمول، وعند الأصوليين محكومًا عليه، لأنه هو المكلَّف.
إذًا أربعة أسماء لمسمًّى واحد، نسبة حكم إلى اسمٍ وهو مبتدأ أو فاعل أو نائب فاعل إيجابًا أو سلبًا، إيجابًا يعني: إثباتًا. زَيْدٌ قَائِمٌ أليس كذلك؟ لَيْسَ زَيْدٌ قَائِمًا ما الفرق بينهما؟
كلاهما جملة اسمية إلا أن الأولى مثبته زَيْدٌ قَائِمٌ فيه إثبات قيام لزيد، لَيْسَ زَيْدٌ قَائِمًا فيه نفي القيام عن زيد أليس كذلك؟ مَا زَيْدٌ قَائِمٌ فيه نفي القيام عن زيد، حينئذٍ إيجابًا يعني: إثباتًا. أو سلبًا يعني: نفيًا، فالجملة الفعلية وكذلك الجملة الاسمية إما أن تكون موجبة وإما أن تكون سالبة، فإما أن يُثْبَتَ للمحكوم عليه وهو المسند إليه مدلول أو مضمون الخبر، أو ينفى عنه.