الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
بعدما أنهى الناظم رحمه الله تعالى ما يتعلق بالفن الأول من الفنون الثلاثة التي هي مجموع علم البلاغة، فن العِلم الأول علم المعاني، والثاني علم البيان، والثالث علم البديع، لما أنهى ما يتعلق بالفن الأول وأبوابه الثمانية.
قال رحمه الله تعالى: الفن الثاني (عِلْمُ البيانِ) الفن الثاني من الفنون الثلاثة (عِلْمُ البيانِ) وقد حصر بعضهم علم البلاغة في علم المعاني وعلم البيان لِمَا مرّ في أول الكتاب، وأخر الكلام عليه عن الكلام عن المعاني أو على المعاني لكونه أخصّ منه إذ المعاني كالمفردِ، والبيان كالمركب، أخر كلام عليه عن الكلام عن المعاني لكونه أخصّ منه، ولذلك قلنا: قدم علم المعاني على علم البيان لكونه كالمفرد بالنسبة لعلم البيان، إذ علم البيان لا بد أن يراعى فيه مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وإذا كان كذلك فحينئذٍ لا بد من العلم أولاً، فعلم المعاني، ثم علم البيان. لكونه أخصّ منه إذ المعاني كالمفرد، لأن علم البيان كالمفرد، والبيان كالمركب فهو متأخرٌ عنه طبعًا ولذلك أخره عنه وضعًا، وقدمه على الثالث لشدة الاحتياج إليه يعني: علم البديع لأن الحاجة إلى علم البيان أشد لكونه جزءًا من علم البلاغة، ومحتاجًا إليه بتحصيل بلاغة الكلام بخلاف البديع فإنه من الْمُحَسِّنَات، يعني من المكملات إما من جهة اللفظ وإما من جهة المعنى، وهذا العلم يعني علم البيان من شروط تحسينه عن علم البديع كما سيأتي والشرط مقدمٌ على المشروط. إذًا هذا وجه المناسبة بين ترتيب العلوم الثلاثة.
أولاً: علم المعاني، لأنه كالمفرد.
وعلم البيان ثانيًا، لأنه كالمركب، والمفرد مقدمٌ على المركب.
وثالثًا: علم البديع لكونه من المحسنات، والبيان شرطٌ فيه والعلم بالشرط مقدمٌ عن العلم بالمشروط.