وأخرَّه لأنه يريد أن يعرِّفه، وأما تلك لا بَحْثَ للمنطق فيها البتة لا العقلية ولا الطبيعية، وإنما البحث في الدلالة الوضعية اللفظية؛ لأنها هي المقصِد في الوصول إلى مقاصدهم، ومقصِدهم الأول والأخير هو المعقولات، وهذه يوصَل إليها بالدلالة الوضعية وهي المنقسِمة إلى الثلاثة الأنواع يعني: المطابَقية، والتضمنية، والالتزام هي أقسام للوضعية التي يريد أن يعرفها.
(ووضعية) أي: لفظية.
(وهي) أي: هذه الوضعية اللفظية.
(كونُ اللفظ بحيث متى أُطلق فُهم منه المعنى).
(كونُ اللفظ) يعني: وجودُ اللفظ.
(بحيثُ) هذه قيْد، حيث هنا للتقيد يعني: قيَّد كون اللفظ.
(بحيث متى أُطلق) متى ما أطلقه المُطلِق المُتكلِّم.
(فُهم منه المعنى) وضعُ اللفظ بإزاء المعنى، متى ما أَطلَق المتكلم اللفظَ فهم السامع منه مقتضى اللفظ، لكن فيه بعض الإشكال في قوله: (متى أُطلِق).
قال هنا .. قال الملَّوي: أتى بمتى الذي هو سور الكُلّيّة.
(متى أُطلق) هذا سُور؛ لأن بعضهم يقول: إذا أُطلِق، هذا فيه خلل؛ لأن إذا أُطلق هذه مهملة ليست مسوَّرة، والمهملة في قوة الجزئية، فحينئذٍ (متى أُطلق) فيها عموم لا يخرج عنه الأفراد، إذا أُطلق في الجملة خرج عنه بعض الأفراد.
فحينئذٍ التعريف بمتى أُطلق أولى، وأنت احفظها هكذا: متى أُطلق هذا سُورٌ كُلي، فحينئذٍ لا يَخرُج عنه فردٌ من الأفراد البتة، إذا أُطلق هذا لا إشكال فيه، إن وإذا في اللغة بينهما فرقٌ، كذلك متى أُطلق وإذا أُطلق.
قال: (أتى بمتى الذي هو سور الكُلّيّة إشارة إلى أنه يُشترط في دلالة الالتزام .. ) لأن هذا التعريف لا بد أن يكون مشتملاً على الأنواع الثلاثة، فلا بد من إدخال دلالة التزام.
(إشارة إلى أنه يشترط في دلالة الالتزام كون اللزوم بيِّناً بالمعنى الأخص؛ لأنه الذي بحيثُ متى أُطلق اللفظ الدال على ملزومه فُهِم هو بخلاف ما لو أتى بإذا التي للإهمال، فلا يُفهَم ذلك لأن المهملةَ في قوة الجزئية).
إذاً: متى أُطلق "هكذا احفظها" فيها عموم، ويُشترط فيه أن يكون مشتملاً على الشرط المتحقِّق في دلالة الالتزام، متى إذا أُطلق بإذا هذه مهملة. وكما سيأتي أنها في قوة الجزئية بمعنى أنها ليست بعامة .. ليست كُلّيّة.
قال هنا العطار: قوله: (متى أُطلق) قال في شرح المطالع: (الدلالة مقُولَة بالاشتراك على معنيين).
يعني: تُطلق ويراد بها معنى، وتطلق ويراد بها معنى آخر، هذا في اصطلاح علم وهذا في اصطلاح علمٍ آخر.
(الأول: فهمُ المعنى من اللفظ متى أُطلق.
الثاني: فهمُ المعنى منه إذا أُطلق).
الفرق بينهما: متى وإذا.
قلنا: متى هذه سُور الكُلّيّة، (إذا أُطلق) مهملة وهي في قوة الجزئية، أيهما أعم؟
متى أُطلق، وأما إذا أُطلق هذه خاصة.
قال: والاصطلاح على المعنى الأول (متى أُطلق)، وإن اعتُبر في بعض العلوم المعنى الثاني. انتهى.
قال: والفرق بينهما: أن متى سُور الإيجاب الكلي، كما هو الشأن في ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) [آل عمران:١٨٥] هذا سُور كلي، "بعض الحيوان إنسان" هذا سورٌ جزئي.