(أم لم تتناهى) أي وُجدت ولكن بدون تناهٍي، لم تتناهى يعني: غير محصورة، لم تقف عند حدٍّ.
قال: (كنعمةِ الله) نعمةُ الله تعالى لا تتناهى يعني: لا تنتهي في المستقبل، ولا يُعلم عدها ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)) [إبراهيم:٣٤] هذا في الدنيا، وكذلك في الآخرة لا نهاية لها.
إذاً: ذكَر في هذا الشطر نوعين من الكلِّي: له أفراد في الخارج تناهت ككوكب، لم تتناهى كنعمة الله. وكلٌ منهما له أفراد.
قال: (أم لم توجد فيه لامتناعها في الخارج) يعني: كُلّيٌ لم توجد فيه، لم توجد في الخارج يعني .. كُلّيٌ لا فرد له.
(لامتناعها في الخارج كالجمع بين الضدين، أو لعدم وجودِها وإن كانت ممكِنة).
إذاً: ما لا فرد له على مرتبتين:
المرتبة الأولى: (لامتناعها في الخارج) يعني: يمتنع وجودُها في الخارج.
(كالجمع بين الضدين) مثل القيام والجلوس، الجمع بين الضدين اللفظ التركيب هذا كُلّي، له أفرادٌ في الخارج لكن لا يجتمعان.
يعني: "قائم جالس" هذان نقيضان أو ضدان، هل يجتمعان في صورة واحدة؟ لا يجتمعان.
إذاً: لا مثال له في الخارج، وإنما يمنع العقل الجمعَ بين الضدين، كيف يَقبل الاشتراك؟
نقول: نعم. يقبل الاشتراك في قيام وقعود، نزول وطلوع، النوم والاستيقاظ .. هذا أفراد، كل ما يتقابل الشيئين فيه نقول: هذا متقابلان إما تقابُل ضد أو نقيض.
حينئذٍ نقول: هذا فردٌ، فالتقابل بين القيام والجلوس فرد، والتقابَل بين الصعود والنزول هذا فرد، والتقابل بين الحياة والموت هذا فرد. إذاً: أفراد.
العقل لا يمنع هذه الأفراد، وأما في الخارج هذا لا يمكن تصوُّر عدة أمثلة في موضع واحد.
(أم لم توجد فيه) يعني: في الخارج (لامتناعها في الخارج) هنا في الخارج أعادَه من باب الإيضاح يعني: أظهر في مقام الإضمار (كالجمع بين الضدين).
(أو لعدم وجودِها وإن كانت ممكنة) يعني: يتصور العقل وقوع الشرِكة فيها، ولكن في الخارج لا وجود لها قالوا: كجبلٍ من ياقوت، وبحرٍ من زئبق.
"بحر من زئبق" العقل يتصوَّر .. بحر من زئبق يجري، لو قالوا: بحر من عسل في الدنيا نقول: يتصور العقل هذا، بحرٌ في الجزيرة، بحرٌ في الشام، بحرٌ في مصر .. إلى آخره.
هذه أبحُر تجري، العقل لا يمنع وجود بحر من عسل يجري، لكن في الواقع ما وُجد.
هل يمتنع؟ لا يمتنع، لكن ما أراده الله تعالى، هنا ننفي "هم لا يذكروا هذا" نَنفي لنفي الإرادة. يعني: ما أراده الله عز وجل إرادة كونية؛ إذ لو أراده لكان، فلمَّا لم يكن لم يُرِدْه.
هنا جاء التقابل بالنفي: لو أراده لكان، لكنه لم يكن إذاً: لم يرِده.
إذاً نقول: ما أراده الله تعالى؛ إذْ لو أراده لكان.
(كالجمع بين الضدين، أو لعدم وجودها وإن كانت ممكنة كجبلٍ من ياقوت وبحرٍ من زئبق).
هذه الأمثلة: الجمع بين الضدين، وبحرٌ من زئبق، وجبلٌ من ياقوت من قبيل المفرد المقيَّد لا من قبيل المركّب؛ إذ المقصود هو البحر فقط بقيد: أن يكون من كذا، لا البحرية والزئبقية حتى يكون مركباً.
قال هنا: (أم وُجِد منها فردٌ واحدٌ سواءٌ امتنع وجودُ غيره كالإله) أي: المعبود بحق (إذْ الدليل الخارجي قَطَعَ عِرْقَ الشركة عنه، لكنه عند العقل).
هذا المثال نشرحه ثم نأتي لكلامه.