قال: (كُلِّي وُجِد منه فردٌ) أولاً: ما معنى كُلِّي؟ يعني: العقل لا يمنع الاشتراك، في الخارج وُجد منه فردٌ واحد لم يوجد الثاني لماذا؟ الدليل، إذاً من خارج لا من عقل.
الدليل -يعني: البرهان الساطع- قطَعَ وجود الثاني، إذاً يمتنع.
مثَّلوا بإله، حينئذٍ يرِد الإشكال في أولاً: قلتَ "إله" الذي قيَّدتَه بالحق، أنه لا يوجد في الخارج إلا في فردٍ واحد.
حينئذٍ وَصْفُ غير الباري بالأُلوهية يكون شِركاً، يكون شِركاً من جهة الدليل لا من جهة العقل، وعليه: العقل لا يدل على منع الشرك؛ لأنه لم يمنع التعدُّد في الخارج لمنعِه في العقل، وإنما العقل جوَّز وجود إله، قالوا: هذا كُلِّي لا يمنع الشركة، وأما في الخارج لا يوجد منه إلا واحد.
إذاً: دلالة التحريم على الشرك إنما هي من جهة الشرع فقط لا من جهة العقل، ولذلك استدلوا على أن المشركين قد وقعوا في الشرك فيما سبق: لو كان العقل يدل على قُبْح الشرك لما وقعوا فيه، وهذا غلط، بل الصواب: أن الشرك محرَّمٌ عقلاً وشرعاً، وأن القول بأن الإله يمتنع وجودُه متعدِّداً في الخارج هذا هو محل النظر، كلمة "إله" صحيح أنها كُلِّيّة، بمعنى أن العقل لا يمنع التعدد، في الخارج الإله متعدِّد.
لكن الإله بقيْد (الحق) غير مطلق الإله، فهل البحث في الإله بالقيد أو قبل القيد؟ قبل القيد.
إذاً: كونُه كُلياً قبل أن يُقيَّد بكونه حقاً، وأما البحث في كونه حقاً نقول: نعم لم يوجد إلا الإله الحق، لكن هذه المعبودات التي تسمى آلهة نقول: تُسمى آلهة حقيقة، فحينئذٍ الإله في الخارج على نوعين: إلهٌ بحق، وإلهٌ بباطل. وإلا لو قلنا: لا يوجد إله إلا مقيَّد بالحق في الخارج، "لا إله" نفَتْ ماذا؟ نفَتْ الآلهة الباطلة، وأنت تقول: لا يوجد إله أصلاً في الخارج، فكيف نفت "لا إله" الآلهة الباطلة؟ هذا تناقض.
بل الصواب نقول هكذا: أن لفظ إله كُلِّي لا يمنع تعقُّل مدلولِه من وقوع الشرِكة فيه، وهو لفظ "إله" بدون قيد، وفي الخارج له أفراد كثيرة بلا نهاية، تختلف من زمن إلى زمن ومن بلد إلى بلد.
فحينئذٍ نقول: فيصدُق على الإله الحق أنه إله، ويصدُق على الأصنام أنها آلهةٌ بنص القرآن والسنة النبوية.
لكن إذا أردنا التفصيل بين الحق والباطل نقول: لا إله حقٌ إلا الباري جل وعلا، ولذلك: "لا إله إلا الله" نَفَت الأُلوهية عما سوى الله، وأثبتَتْها للباري جل وعلا.
فقولُهم هنا: (أم وُجد منها فردٌ واحدٌ سواءٌ امتنع وجودُ غيره كالإله) أولاً تعريفُه بـ"أل" خطأ كإله يأتي نكرة، أما الإله لا.
(أي: المعبود) لو أَطلق هكذا قلنا: هذا عام، كلُّ صنمٍ عُبد من دون الله فهو معبود، ((أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ)) [الصافات:٨٦] سمَّاها آلهة، والأصل فيها أنه حقيقة أو مجاز؟ حقيقة، فحينئذٍ يُحمَل عليها.
((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً)) [الأنعام:٧٤] سمّاها آلهة إذاً: هي آلهة، بمعنى أنها معبودة، ولا يلزم أن يكون كل معبود أن يكون بحق.