قال: (ولم يذكرها في هذا البيان فكان الأولى أن يقول: ثم بيّن تناقض المحصورات) ما دام أنه لم يذكر الشخصية.
(والجواب: أنه أراد الموجبة والسالبة من المحصورات) فقط ولم يرد الشخصية فلم تدخل.
(وقرينة الحمل على ذلك سبقُ بيان الموجبة والسالبة الشخصيتين.
ولذلك لم يذكرها هنا اكتفاءً بذكرها سابقاً في تمثيل التناقض بعد تعريفه بقوله: زيدٌ كاتب زيدٌ ليس بكاتب) يعني: زيدٌ كاتبٌ زيدٌ ليس بكاتب. ذكَره في المتن، هذا جاء بمثال لشخصيتين: سالبة وموجبة.
حينئذٍ أراد بمثالٍ يتحقق فيه التناقض، إذاً: يقع التناقض بين الشخصيتين، فاكتفى بذلك عن أن يُعيد مرة أخرى ويبيِّن أن الشخصيتين يكون فيها التناقض بكذا وكذا.
قال: (ولذلك لم يذكرها هنا اكتفاءً بذكرها سابقاً في تمثيل التناقض بعد تعريفه بقوله: زيدٌ كاتب زيدٌ ليس بكاتب. فإن هاتين شخصيتان متناقضتان.
ولما ذكر أنه لا يتحقق التناقض إلا بعد اتفاق القضيتين في الوحدات الثمان، عُلم أن هذا عامٌ في جميعها) يعني: شمِل الشخصية والمحصورات، الوحدات الثمان في الشخصية والمحصورات.
(وقد انفردت المحصورات بزيادة الاختلاف في الكم) على الكيف، الكيف المراد به السلب والإيجاب، والكم المراد به الكُلّيّة والجزئية.
إذاً: أراد أن يبيِّن ما يتعلق بالمحصورات زيادة على ما مر، كأنه قال: في المحصورات يُشترط الثمان كما يُشترط في الشخصية، لكن يُزاد في المحصورات الاختلاف في الكم، والشخصية ليس فيها كم، ولذلك اكتفى بذكرها سابقاً في المثال ولم يُعِدْها، وإنما خص البيان هنا بالمحصورات.
(وقد انفردت المحصورات بزيادة الاختلاف في الكم، وهو الكُلّيّة والجزئية، زيادة على الاختلاف في الكيف وهو الإيجاب والسلب، المذكور سابقاً لقوله: اختلاف قضيتين في الإيجاب والسلب، ومن ثَم خص البيان هنا بالمحصورات منبِّهاً على اعتبار أمرٍ زائدٍ فيها على المخصوصتين وهو الاختلاف في الكم.
والحاصل: أن الشخصية يكفي في نقيضها التبدُّل بالكيف سلباً وإيجاباً).
يعني: لو قيل: زيدٌ كاتب ما نقيضه؟ لا تقل كاتبٌ زيدٌ .. عكس، وإنما تقول: زيدٌ ليس بكاتب أو ليس زيدٌ كاتبٌ لا إشكال قدَّمت أو أخَّرت.
حينئذٍ النقيض يكون بالتبدُّل في السلب والإيجاب فقط، اختلافُ الكيف.
(وغيرُها) غير الشخصية (لا بد من التبدُّل فيه في الإيجاب والسلب كيف والكم أيضاً، وقد سبق أن المهملة في قوة الجزئية) فهي داخلةٌ في المحصورات.
وحينئذٍ لا بد من كُلّيّة نقيضها موجبة أو سالبة؛ لأنها في قوة الجزئية.
يعني: المهملة في قوة الجزئية إذاً: نقيضُها لا يكون كُلّياً، سالباً في الموجب موجَب في السالب.
قال رحمه الله تعالى: (ثم بيَّن ما يناقض كلاً من الموجبة والسالبة فقال) (فَنَقِيضُ المُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ إِنَمَا هِيَ السَّالِبَةُ الجُزْئِيَّةُ).
(إِنَمَا) هذا حَصْر (وجهُ الحصر: أن الإيجاب يناقض السلب لا غير، وأنَّ الكُلّيّة تُناقض الجزئية لا غير) لأنه محصور إما كُلّيّة وإما جزئية لا ثالث، وإذا كان كذلك فإذا ثبتت الكُلّيّة حينئذٍ نقيضُها الجزئية، وإذا ثبتت الجزئية نقيضُها الكُلّيّة.