للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دركُ وقوع نسبة يعني: دركُ أو إدراك وقوع النسبة الكلامية؛ لأن النسبة الكلامية إدراكُها من باب التصور لا من باب التصديق، وأما وقوعها في الخارج بالفعل، ثبوت القيام لزيد، هذا تصور، ثبوت قيام زيد نقول: هذا تصور وليس بتصديق، وقوعُه بالفعل في الخارج، وافق ما في الباطن نقول: هذا يُعتبر تصديقاً، إدراك الوقوع واللاوقوع يسمى تصديقاً.

حينئذٍ (دَرْكُ نِسْبَةٍ) إن فُسِّرت النسبة بالخارجية فلا نحتاج إلى مضاف؛ لأن إدراكها مباشرة يسمى تصديقاً، وأما إن كان المراد بالنسبة الكلامية هنا .. النسبة الكلامية التي هي ثبوت القيام لزيد، أو قيام زيد سواءٌ مع الحكم أو دونه فحينئذٍ نقول: لا بد من تقدير مضاف: دركُ وقوع نسبةٍ بتصديقٍ وُسِم.

ثم إن كلاً من التصور والتصديق ينقسم إلى ضروري ونظري، والضروري هو ما لا يحتاج إلى التأمل، والنظري ما يحتاج إلى التأمل.

وَالنَّظَرِيْ مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ ... وَعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُورِيُّ الجَلِي

هذا واضح، إذاً: كلٌ منهما إدراك، لكن هناك إدراك يحتاج إلى تأمُّل وتفكُّر وبحث ونظر، هذا يسمى علوماً نظرياً.

وهناك إدراك لا يحتاج إلى تأمل كإدراك أن الكل أكبر من الجزء لا يحتاج إلى إثبات ولا يحتاج إلى تأمل، ولا إلى بحث. هذا يسمى بالعلوم الضرورية.

ولذلك هذا التقسيم هو من تقسيم العِلم كذلك، عندنا تقسيمان:

تقسيم العلم إلى تصور وتصديق، هذا باعتبار الإدراك وما يتعلق به؛ لأنا قلنا: الإدراك هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، إذاً: النفس تعلَّقت بالمعنى الذي دل عليه المفرد أو المركب.

فعندنا متعلِّق ومتعلَّقٌ به، ما هو المتعلِّق؟ النفس، والمتعلَّق به المعنى مفرداً كان أو مركباً.

هنا التقسيم باعتبار الطريق الموصِل إلى العلم، قد يكون بكسبٍ وقد يكون بلا كسبٍ، حينئذٍ ما كان بكسبٍ يسمى نظرياً، وما كان بدون كسبٍ يسمى ضرورياً.

وعليه كما نقول هناك: العلوم أو المعلومات تصورية وتصديقية، هنا نقول: علومٌ نظرية أو معلوماتٌ نظرية، وعلومٌ ضرورية أو معلومات ضرورية.

قال هنا: (والتصديقات النظرية تستفاد من التصديقات الضرورية) هذه قاعدة.

التصديقات النظرية هي بكسب وتأمل وبحث، تؤخذ من أين؟ من التصديقات الضرورية.

والتصورات النظرية تستفاد من التصورات الضرورية كأصلها.

إذاً: أيهما أصل وأيهما فرع، العلم الضروري أم النظري؟ الضروري أصل؛ لأن النظري سواءٌ كان تصوراً أو تصديقاً إنما يستفاد من الضروري تصوراً أو تصديقاً.

(وتلك الاستفادة إنما تكون بالنظر والفكر وهو) أي: النظر والفكر (ترتيبُ أمورٍ حاصلة ليُتوصلَ بها إلى تحصيل غير الحاصل).

النظر الذي هو حدٌ أو مأخوذٌ في حد العلم النظري، ترتيب أمورٍ حاصلة؛ ليتوصل بها إلى تحصيل ما لم يحصل. وهذا ما مر معنا في بيان موضوع الفن، أنه معلومات موجودة سواءٌ كانت هذه المعلومات تصورية أو تصديقية بترتيبٍ معيَّن، وهو ما يُعرف في المعرِّفات: تقديم الجنس على الفصل ونحو ذلك، أو في الأقيسة: المقدِّمات الصغرى والتَّكرار، بترتيبٍ معيَّن سيُذكر، يُتوصل بهذا الترتيب إلى معرفة المجهولات.

<<  <  ج: ص:  >  >>