فحينئذٍ لا بد أن تكون هذه المعلومات حاصلة في النفس نظريةً أو ضرورية؛ يُتوصل بها إلى معرفة المجهولات سواء كانت تصديقات أو تصورات.
وحينئذٍ يكون لكل واحدٍ من القِسمين طريقٌ خاصٌ، فالطريق الموصل إلى التصديقات النظرية الأقيسة، والطريق الموصل إلى التصورات النظرية التعريفات.
ولذلك انحصر موضوع الفن في المعرِّفات والأقيسة.
موضوع الفن كلُّه في المعرِّفات وما يوصل إليها، المقدمات المعتبرة لها كالكُلِّيّات الخمس، وما تُوصل هي به إلى التصور، والأقيسة وما يتعلق بها من مقدمات كالقضايا وأحكامها، وما توصل هي إلى مجهولات تصديقية.
وحينئذٍ فيراد بكلام المصنف هنا: (ويسَّر لهم سلوك سبيل التصور والتصديق).
يُراد حينئذٍ بكلام المصنف هنا: (سبيل التصور) المعرِّفات، و (بسبيل التصديق) الأقيسة.
ويصير معنى كلام الشارح: ويسَّر لأهل محبته الوصول بأفكارهم في الطريق الموصل إلى التصور، والطريق الموصل إلى التصديق، وفيه استعارةٌ تصريحية أصلية بتشبيه المعرِّفات والأقيسة بالسبيل، وذِكر التصور والتصديق قرينة.
وهذا إن فُسِّر السبيل بالطريق، وإن فُسِّر بالسبب فالكلام على حقيقته إذ يصير معناه: وسهّل لهم أسباب التصورات والتصديقات، ويراد السبب حينئذٍ السبب بالمعنى اللغوي حتى لا يرِد أن يقال: إن الأفكار ليست أسباباً، بل هي من قبيل المُعِدَّات كما قُرِّرَ في محله.
قال رحمه الله تعالى: (ويسَّر لهم سلوك سبيل التصور والتصديق).
عرفنا خلاصة ما يذكره المناطقة هنا في هذا الباب، وهو يُعتبر مقدمةً لما سيأتي ذكره في المعرِّفات وفي الأقيسة، ولا بد من ذكره؛ لأنه يفوت به العلم بحقيقة الموضوع، والمحمول، وإدراك الأول مع الثاني، والنسبة، وتمييز التصور عن التصديق، والعكس كذلك، ثم معرفة التصور أنه يُطلق بمعنى أعم مرادف للعلم، وأنواع العلم .. هذه لا بد من وجودها أولاً.
قال رحمه الله تعالى -ننتهي من مقدمة المصنف-: (والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمدٍ الهادي).
(والصلاة والسلام) هذا سيأتي تفسير الصلاة في كلام الماتن، قال: (والسلام) أنه بالتَّحِية أو اسم الباري جل وعلا، أو بالمعنى اللغوي السلامة من العيوب والنقائص.
(على أشرف) هذا متعلِّق بالسلام، تنازع فيه الصلاة والسلام .. الصلاة على أشرف والسلام على أشرف، حُذِف من الأول [وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَهْ] فأُعمل الثاني –السلام- وحُذف من الأول.
(على أشرف خلقه) الشرف هو العلو والمكان العالي والمجد.
(خلقِه) هذا مفرد مضاف، نكرة مضاف فيعم يعني: خلقِه فَعْل، لفظٌ بمعنى ملفوظ، ((هَذَا خَلْقُ اللَّهِ)) [لقمان:١١] يعني: مخلوقات الله، خلقِه يعني: مخلوقاته؛ لأن الخلق إذا كان مصدراً المراد به فعل الباري جل وعلا، وهذا لا تمييز فيه هنا .. ليس بوارد، وإنما المراد أثرُ الصفة، الخلق .. الصفة ليست مرادة.
(والصلاة والسلام على أشرف خلقه) ليست صفته الباري جل وعلا، وإنما مخلوقاته فهو عام.
ولما كان فيه شيءٌ من العموم قال: (محمدٍ) عطف بيان أو بدل.
(محمدٍ) وهو اسمه .. اسم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلمٌ شخصي منقولٌ من اسم مفعول "حُمِّدَ" المضاعف.
(الهادي) أي: الدال.