للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: ضعف الشعور بالمسئولية تجاه الدين وقضايا الأمة، وينعكس ذلك على أداء الفرد في الدعوة، فتجده متراخيًا في القيام بالواجبات، يتحين أي فرصة للهروب من التكاليف .. كثير الأعذار، كثير النقد لغيره.

ومنها كذلك: ضعف الأخوة في الله، فالأخوة قرينة الإيمان تزيد بزيادته، وتنقص بنقصانه "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" [الحجرات: ١٠].

ومن مظاهر ضعف الإيمان: عدم الاكتراث بتضييع الوقت في توافه الأمور، والمجالس الفارغة، ومشاهدة الفضائيات.

ومنها: عدم الانضباط بضوابط الشرع في المعاملات المادية بين الأفراد، وبخاصة بين الشركاء "وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" [ص: ٢٤].

ومنها كذلك: عدم الحزن على فوات الطاعة، أو الوقوع في المعصية ..

يقول عبد الله بن مسعود: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا (١) (أي: نحاه بيده أو دفعه).

[الإيمان يصنع المعجزات]

وفي المقابل .. كلما قوى الإيمان تحسن السلوك بشكل تلقائي، واقتربت المسافة بين القول والفعل، وكيف لا والإيمان الحي يولد دومًا طاقة، وقوة دافعة للقيام بأعمال البر المختلفة حسبما يقتضيه الوقت والظروف.

الإيمان هو الشجرة المباركة التي تثمر -دومًا- ثمارًا طيبة "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ - تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا" [إبراهيم: ٢٤، ٢٥].

الإيمان يدفع المرء لبذل أقصى ما يمكن بذله في سبيل رضى ربه، فتراه حريصًا على دعوة الناس، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر.

صاحب الإيمان الحي شخص إيجابي، شُعلة من النشاط، لا يهدأ، ولا يكل، ولا يمل من تبليغ دعوة ربه ودلالة خلقه عليه .. نجده دومًا مسارعًا لفعل الخيرات في كل الاتجاهات .. ينتظر أي باب يفتح أمامه للتقرب إلى الله ليلج فيه.

روى النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى، فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر، فقلت: لقد حدث أمر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" [البقرة: ١٤٤].

حتى فرغ من الآية، فقلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكون أول من صلى (في اتجاه الكعبة)، فتوارينا فصليناها، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى بالناس الظهر يومئذ (٢).

كلما ازداد الإيمان ودخل نوره القلب، انفتح القلب وانشرح ودبت الحياة فيه، وشعر صاحبه بالسكينة والطمأنينة، وزاد انتباهه ويقظته، وكلما استيقظ القلب من غفلته زاد تشميره للسعي نحو الآخرة، وقل اهتمامه بالدنيا ورغبته فيها، واشتدت رغبته فيما عند الله، وانعكس ذلك في تعامله مع المال، فيزداد إنفاقه له ..

في يوم من الأيام، وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه إذ تلا عليهم قوله تعالى: "مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ" [الحديد: ١١]، فإذا بأحد الحاضرين وهو «أبو الدحداح» يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيستقرضنا الله؟

فيجيبه صلى الله عليه وسلم: «نعم».


(١) رواه البخاري (٦٣٠٨).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ١٦٨ - مكتبة العبيكان.

<<  <   >  >>