للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[هل نترك التربية؟!]

هذا الحديث عن أسباب عدم ظهور ثمرة التربية بصورة صحيحة ليس معناه ترك التربية، فالتربية أمر لا بديل عنه إن أردنا تغيير ما بأنفسنا وإصلاح حال الأمة، ولكن معناه البحث والتركيز على وسائل ذات أثر بالغ في القوة، لكي نتمكن بعون الله من التأثير في الثوابت الخاطئة التي تربينا عليها منذ الصغر، وزلزلتها، وإبدالها بالمعتقدات والمفاهيم الصحيحة (١).


(١) لعل هذا الكلام يجيب عن تساؤل المتسائلين عن السبب الذي يدفع كاتب هذا السطور إلى كثرة الحديث عن القرآن، فالقرآن لا يوجد له مثيل في قوة تأثيره وزلزلته لكل الأفكار والتصورات الخاطئة وهدمها، حتى ولو كانت هذه الأفكار والتصورات قد رسخت في يقين الإنسان رسوخ الجبال الرواسي، فالقرآن قادر بإذن الله على هدمها وإحلال المفاهيم الصحيحة مكانها، ألم يقل سبحانه في وصف قوة تأثيره: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ} [الحشر: ٢١]، وقال: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: ٣١]، وجواب الشرط محذوف وتقديره: لكان هذا القرآن .. ولعل ما حدث من تغيير جذري في جيل الصحابة خير دليل على مدي قوة تأثير القرآن، فلقد كان منهم من تعدى الثلاثين والأربعين والخمسين سنة وقت إسلامه، ومع ذلك صنع القرآن منهم جيلا فريدًا لا زالت تفخر به البشرية حتى الآن.
ولئن كانت التربية لا بديل عنها لإصلاح الفرد والأمة؛ ولئن كان الجهد المبذول فيها على ضخامته لا يأتي بالثمرة المطلوبة، فإن الحل الأمثل لهذا الإشكالية يكمن في العودة الصحيحة إلى القرآن، وحسن التعامل معه، والتعرض لقوة تأثيره، وتحقيق الوصال بينه وبين العقل والقلب، وبالإضافة إلى القرآن تأتي الوسائل التربوية الأخرى كوسائل تكميلية، وفي المقابل فإننا إن تجاوزنا القرآن كوسيلة متفردة للتأثير والتغيير فسنظل نعاني ونشكو ونتساءل لماذا لا نتغير ولا نتحسن؟!
والناظر في تاريخ المصلحين يجد أن محور دعوتهم كان يركز على العودة الصحيحة للقرآن، والانتفاع بقوة تأثيره الضخمة، ومن هؤلاء بديع الزمان النورسي، محمد إقبال، حسن البنا، عبد الحميد بن باديس وسيد قطب.
يقول محمد إقبال: إن القرآن ليس بكتاب فحسب ... إنه أكثر من ذلك، إذا دخل القلب تغير الإنسان، وإذا تغير الإنسان تغير العالم (روائع إقبال ص ١٥٨). وعندما تحدث الإمام حسن البنا عن مقاصد الدعوة قال: تصحيح فهم المسلمين لدينهم، وشرح دعوة القرآن الكريم شرحًا واضحًا .. ثم جمع المسلمين عمليا على مبادئ كتابهم الكريم بتجديد أثره البالغ القوى في النفوس (رسالة في اجتماع رؤساء المناطق).
ويقول عبد الحميد بن باديس: لا فلاح للمسلمين إلا بالرجوع إلى هدايته، والاستقامة على طريقته.
ويقول سيد قطب: إن الناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن .. وإن الآية الواحدة، لتصنع أحيانا في النفس -حين تستمع لها وتنصت- أعاجيب من الانفعال والتأثير والاستجابة والتكيف والرؤية والإدراك والطمأنينة والراحة، والنقلة البعيدة في المعرفة الواعية المستنيرة .. مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه!
وإن العكوف على هذا القرآن في وعي وتدبر لا مجرد التلاوة والترنم! لينشئ في القلب والعقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى، ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة؛ ومن الحرارة والحيوية والانطلاق! ومن الإيجابية والمعرفة والتصميم ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب! (في ظلال القرآن ٣/ ١٤٢٥).

<<  <   >  >>