ومن صفاتها أنها شحيحة تحب الاستئثار بكل شيء فيه نفع لها ولو كان نفعًا محدودًا "وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ" [النساء: ١٢٨].
لديها القابلية للفجور والطغيان إذا تركها صاحبها بدون ترويض وتربية ومتابعة .. ولديها كذلك القابلية للاستكانة والتطويع إذا ما رُوضت وزكيت "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" [الشمس: ٧، ٨].
أشد ما يسعدها شعورها بالتميز عن الآخرين، وأشد ما يشقيها ويحزنها شعورها بالنقص عنهم.
وهي ميدان التكليف .. من يزكيها يفلح ويفوز، ومن يتركها دون ترويض يخيب ويخسر "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" [الشمس: ٩، ١٠].
ويكفي في بيان قوة طغيانها عندما تُترك بدون تزكية وتربية ما فعلته مع قوم ثمود عندما أبت عليهم نفوسهم الإيمان بالآية العظيمة (الناقة)، بل ودفعتهم إلى قتلها ليحق عليهم العذاب الوبيل "كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا - إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا - فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا - فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا" [الشمس: ١١ - ١٤].
وكذلك ما فعلت بابن آدم عليه السلام "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ" [المائدة: ٣٠].
[أقسام هوى النفس]
النفس تهوى وتميل دومًا إلى تحصيل الشهوات .. هذه الشهوات تنقسم إلى قسمين: قسم جليٌّ، وقسم خفيٌّ.
فالشهوة الجلية: هي اللذة الناتجة عن الطعام والشراب و ...
أما الشهوة الخفية: فهي تلك اللذة الناتجة عن مدح الناس وثنائهم، وكذلك الشعور بالعلو والتميز على الآخرين، وارتفاع المنزلة عندهم، والتقدم عليهم.
ولأن النفس محبوبة، وما تدعو إليه محبوب نجد الكثير من الناس لا ينتبه لخطورتها، بل ويسترسل مع هواها في تحصيل الشهوات -وبخاصة الخفية- دون أن يدرك أنه بذلك يخونها ويظلمها عندما يتبع هواها، ويساهم في طغيانها، ويقترف من أجلها الذنوب والمخالفات التي تستدعي وتستوجب العقاب الإلهي في الدنيا والآخرة "وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" [النحل: ٣٣].
البعض قد يستشعر أهمية المعرفة، فينمي عقله بالعلوم النافعة، وقد ينتبه لقلبه فيتعاهده بالأوراد التي تزيد الإيمان، ولكنه ينسى أن بداخله من يتربص بكل أعماله ليأخذ نصيبه وحظه ولذته منها، فيتعرض بذلك عمله لخطر عدم القبول .. إنها نفسه التي بين جنبيه.
[الشهوة الخفية]
إذن فالنفس هي العقبة الكؤود بيننا وبين الله عز وجل، ولقد خلقها الله -عز وجل- بهذه الصفات ليختبر مدى صدق عبوديتنا له، فلولا وجودها لما وجد العبد أي مشقة في القيام بالطاعة، والإخلاص لله عز وجل.
وشهوات النفس الجلية قد ضبطها الشرع وحددها من حيث الحلال والحرام والمباح والمكروه، لذلك فمن السهل على صاحب الإيمان الحي أن يلتزم -بعون الله- بهذه الضوابط.
أما الشهوات الخفية فمع تحذير الشرع الشديد من الاسترسال معها إلا أن الكثيرين لا ينتبهون إلى هذا التحذير ولا يتعاملون معه مثل تعاملهم الحذر والمنضبط مع الشهوات الجلية، وذلك لأن الشهوة الخفية ألذ وأحب إلى النفس من الشهوة الجلية.
ومن أهم الشهوات الخفية التي تسكر النفوس، وتجعلها في حالة من السعادة والنشوة: الشعور بالرضا عن النفس، والتميز عن الآخرين، وعلو المنزلة عندهم، وإذا أردت تخيل هذه المشاعر فما عليك إلا أن تتذكر حالك عندما تتعرض للمدح من غيرك ...