للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجد الله عند المريض ... يشمله بعطفه وحنانه ورعايته الخاصة.

جاء في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت إن عبدي فلان مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ ... " (١).

وبالجملة نرى الله وراء كل حدث يحدث في الحياة ... عند هبوب الريح، وعند طلوع الشمس وعند غروبها .. عند نزول المطر .. عند الكسوف والخسوف {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: ٤٤].

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم ذو ريح وغيم عُرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم فأقبل وأدبر، فإذا مُطرت سُرِّي عنه، وذهب عنه ذلك، فسألته عائشة - رضي الله عنها - في ذلك فقال: "إني خشيت أن يكون عذابا سُلِّط على أمتي" (٢).

وكان أحد الصالحين إذا ذهب إلى المسجد ليلقي درسه، وجد جموعاً غفيرة من الناس تنتظره فيناجي الله ويقول: اللهم إنك تعلم أنهم يقصدونك أنت، ولكنهم وجدوني عندك.

[الله مقصدنا وغايتنا]

نعم، أخي هذه هي غاية المعرفة التي ينبغي أن نسعى إليها ... أن نجد الله يتجلى بصفاته العلى في كل شيء لينعكس ذلك على جميع تصرفاتنا، فتصبح إرادة وجهه الكريم هي مقصدنا في كل أعمالنا {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، فعلى سبيل المثال إطعام الطعام للفقراء والمساكين وغيرهم ينبغي أن يكون المقصود منه رضاه سبحانه: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:٩] وتكريم أهل الصلاح ينبغي أن يكون الهدف منه إجلال الله عز وجل، كما في الحديث: "إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام السلطان المقسط" (٣).

قال محمد بن إسحاق: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجراً إلى الله يريد المدينة قال: "الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئاً. اللهم أعني على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام. اللهم اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذلِّلْني، وعلى صالح خلقي فقوّمني، وإليك رب فحببني، وإلى الناس فلا تكلني. رب المستضعفين وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تُحلَّ علي غضبك، أو تنزل بي سخطك. أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك" (٤).

[التوحيد الخالص]

قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا مبلغ، والله يهدي، وإنما أنا قاسم، والله يعطي" (٥).

وقال يوما لأصحابه: "ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم ... " (٦).

وكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل" (٧).

فهذه الأحاديث تدل على الحقيقة التي ينبغي أن نشاهدها من وراء أحداث الحياة: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].


(١) رواه مسلم (٢٥٦٩).
(٢) متفق عليه.
(٣) حسن، رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٢١٩٩).
(٤) أخرجه أبو نعيم، وعبد الرزاق في مصنفه (٥:١٥٦)، وقال الشيخ الألباني في تعليقه على فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي (١:١٦٥): ضعيف.
(٥) صحيح رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٣٤٧).
(٦) صحيح الجامع (٥٥٥٤).
(٧) رواه أبو داود (٢٦٣٢)، والترمذي (٣٥٨٤)، وقال: حديث حسن.

<<  <   >  >>