للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لابد أن يكون الله عز وجل قد أتاح لنا طرقاً ووسائل نتعرف عليه من خلالها، ولم لا وهو الرءوف الرحيم الذي يريد بعباده الخير: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣].

نعم، لقد أتاح الله عز وجل لعباده جزءاً من المعلومات عنه سبحانه وتعالى لكي يتمكنوا من معرفته بالدرجة التي تتحملها عقولهم، ومن ثَمَّ يتمكنون من عبادته كما أمرهم، ولقد أودع - سبحانه - هذه المعلومات في كونه ومخلوقاته: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:٥٣].

ولله في كل تحريكة وتسكينة أبداً شاهد ... وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

فكل ما يحدث في الحياة، وكل مخلوق من مخلوقات الله يُعد بمثابة آية ودليل على الله، وما على البشر إلا أن يستخدموا عقولهم، ويتعرفوا على ربهم من خلال التفكر في تلك المخلوقات: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:١٦٤].

ارأيت أخي القارئ بماذا ختمت الآية: {لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}: لآيات ودلائل ورسائل تعريف بالله لمن يستخدمون عقولهم في التفكير في هذه المخلوقات.

فالحكمة الأساسية من خلق العقل بما يحتويه من إمكانات جبارة هي استخدامه في التعرف على الله، وذلك من خلال التفكر في مخلوقاته، وقراءة ما تحتويه من رسائل تعريف بالله عز وجل: {وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (} [الروم:٢٤].

[تجليات الرب]

إن كل شيء يحدث حولنا ما هو إلا آيات ودلائل ووسائل تعرفنا بالله عز وجل، وما الحياة التي نعيش أحداثها المتعاقبة إلا مشهد عظيم تتجلى فيه دلائل وحدانية الله وقيوميته، وقدرته، وعزته، ولطفه، وحكمته، ورحمته، وعدله، والسعيد من استخدم عقله في المهمة التي خُلق من أجلها، وأحسن قراءة الرسائل الإلهية، وتحليل أحداث الحياة فيزداد معرفة بربه ومن ثم تتحسن معاملته له فيزداد له حباً وخشية وإنابة وتوكلاً: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:٥٣].

وصدق من قال:

تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملأ الأعلى إليك رسائل

وقد خُط فيها لو تأملت خطها ... ألا كل شيء خلا الله باطل

تشير بإثبات الصفات لربها ... فصامتها يهدي ومن هو قائل

[حاكمية الوحي]

ومع أهمية العقل في التفكر في الكون وأحداث الحياة والاستدلال من خلالها على الله عز وجل، إلا أن العقل قد يسير وراء ظنونه وأوهامه، فينحرف عن الوجهة الصحيحة، ويسلك سبل الضلال ..

من هنا تأتي أهمية الوحي وما له من حاكمية على العقل، فيكبح جماح شطحاته، ويصحح تصوراته، ويضعه على الطريق الصحيح.

ويؤكد على هذا المعنى سيد قطب - رحمه الله - فيقول:

<<  <   >  >>