للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" أنا البائس الفقير، المستغيث، المستجير، الوجل، المشفق، المقر، المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذل لك جسده، ورغم أنفه لك " (١).

وهذا إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه: {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [الممتحنة:٤].

وتأمل معي ما قاله نوح عليه السلام لربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:٤٧].

أما هذا الموقف الذي حدث مع موسى عليه السلام فهو موقف يظهر مدى شعوره بحقيقته كعبد يتصرف فيه مولاه كيفما شاء: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف:١٥٥].

وتأمل حال يوسف الصديق وهو يناجي ربه ويسأله العون على كيد النسوة: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:٣٣].

هذا العبد الصالح ماذا قال لربه عندما مكنه في الأرض: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:١٠١].

[العبودية والفطرة]

من فضل الله على عباده أن جعل معاني العبودية مركوزة فيهم، ومهما حاول المرء إظهار استغنائه عن ربه، ومهما اغتر بما حباه الله عز وجل من إمكانات إلا أنه يظهر على حقيقته كعبد ضعيف أمام الشدائد .. حينئذ تراه يتجه بكليته إلى الله يطلب منه النجاة والحماية: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:٢٢].

فالشدائد والابتلاءات رحمة من الله عز وجل بالناس، ووسيلة يأخذهم بها إلى حظيرة العبودية: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام:٤٢].

[السعادة الحقيقية]

من هنا ندرك سر شعور الإنسان الذي لا يعيش في حقيقة العبودية بأن هناك شيئا ما ينقصه مهما كان معه من إمكانات.

فتجده كثيراً ما يمر بلحظات يتملكه فيها الخوف من المستقبل المجهول، خاصة على أولاده من بعده.

في صدره ضيق ووحشة مهما بدا عليه من مظاهر الفرح والسعادة ..

تأتيه أوقات يشعر فيها بضعفه وعجزه واحتياجه إلى قوة تحميه ..

هذه الأمور لا يمكن للإنسان أن يتغلب عليها، أو إغلاق الأبواب دونها بالأسباب المادية، ولو أُوتي مالاً مثل مال قارون، أو قوة وسلطاناً بلا حدود، بل إن هذه الأمور ستزيده شعوراً بالوحشة والاضطراب وعدم الأمان.


(١) رواه الطبراني عن ابن عباس. قال الشيخ الألباني: (ضعيف)، انظر حديث رقم: ١١٨٦ في ضعيف الجامع.

<<  <   >  >>