للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه القضية - قضية الألوهية - الدليل الهادي فيها هو دليل الوحي. وما لم يستصحبه العقل، فهو عرضة للأوهام والتخليطات بين الصحيح فيها وغير الصحيح. مما يفسد العقل ذاته، ويفسد استقامته على الطريق (١).

(إن كل ما ينشئه العقل البشري من عند نفسه عن هذه الحقيقة - حقيقة الألوهية - إنما هو ظن وخرص، فهو لم ير الله، ولا يمكن أن يراه في الحياة الدنيا، والحقيقة الإلهية أكبر من هذا العقل، ومن هذا الكون. فلا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق ما يعرفنا صاحبها - سبحانه وتعالى - في حدود ما يعلم هو أن العقل البشري قادر على تصوره وإدراكه) (٢).

(إن القرآن وهو يصحح صورة الألوهية في عقول البشر، كان يصحح في الوقت ذاته منهج التفكير العقلي بجملته، ويُعلم الإنسان كيف يفكر تفكيراً صحيحا، فيعتمد على عقله فيما هو من شئون العقل، ويستصحب دليل الوحي فيما وراء ذلك ليهتدي العقل بهذا الدليل القطعي، ولا يعتمد على الظن في قضية كبرى كهذه القضية) (٣).

[التفكر يقود إلى المعرفة]

معنى ذلك أن توجيه العقل للتفكر في خلق الله والاعتبار بأحداث الحياة، وربطها به سبحانه، هو الطريق الأساسي للمعرفة: {وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} [غافر:٨١].

والمتدبر لآيات القرآن يجدها في مواضع كثيرة تحث الناس على الانتفاع بالآيات والرسائل الإلهية والاعتبار بها؛ لأنها الطريق الأكيد لمعرفة الله عز وجل ومن ثَمَّ عبوديته .. تأمل قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية:٣ - ٦].

وفي مقابل الحث القرآني على الانتفاع بالآيات والاستدلال من خلالها على أسماء الله وصفاته، نجد الترهيب الشديد لمن كذب بهذه الآيات أو غفل عنها ولم يعتبر بها: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:٢٢].

وما أكثر الآيات التي يغفل عنها الناس: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:١٠٥].

جاء في بعض الآثار أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه: "أدرك لي لطيف الفطنة، وخفي اللطف، فإني أُحب ذلك، قال: يا رب ما لطيف الفطنة؟ قال: إن وقعت عليك ذبابة فاعلم أني أنا أوقعتها فاسألني رفعها. قال: وما خفي اللطف؟ قال: إذا أتتك حبة فاعلم أني أنا ذكرتك بها" (٤).


(١) مقومات التصور الإسلامي ص (٢٩٢).
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) إغاثة اللهفان لابن القيم (١:٥٤) طبعة المكتب الإسلامي.

<<  <   >  >>