ثم قال:«الثاني: لا شك أن دعاء النبي أو الصالح ونداءهما والتوسل بهما باعتقاد أنه إله أو رب أو خالق أو مستقل في التأثير أو مالك للشفاعة والمغفرة، شرك وكفر، ولكنه لا يقوم به أي مسلم في أقطار الأرض». (١) وفاته أن هذا لا يقول به حتى مشركوا قريش الذين جاء الرسول لدعوتهم، فهم لم يقولوا أن شركاءهم مستقلون في التأثير، بل قالوا:«إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى»، واعترفوا بأن الخالق هو الله، والرازق هو الله، ومنزل المطر هو الله، وإنما هؤلاء وسائط تقربنا إليه.
إذاً فأهل السنة يعتبرون التوجه بالدعاء إلى غير الله شرك، والإمامية لا يعتبرونه شركا إلا إذا قصد أن هذا المدعو إله، فصورة الشرك والإيمان واحدة، لكن الفرق في النية والقصد، فهذا مشرك ضال، وهذا مؤمن مهتد، وإن كان كلاهما يدعوا غير الله.
كذلك فإن واسطتهم هذه مأذون بها بزعمهم، بخلاف واسطة المشركين التي لم يأذن بها الله، فلا فرق بين المشركين والمؤمنين في دعائهم غير الله، فالكل يدعوا الوسائط ويجعلهم شفعاء، ويسألهم أن ينفعوه عند الله، لكن هؤلاء مأذون لهم بدعائهم والتوجه إليهم، وأولئك لم يؤذن لهم ...