حتى إذا كان الشَّهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته، من السَّنة التي بعثه الله تعالى فيها, وذلك الشهر رمضان = خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى حِراء كما كان يخرج لجواره، ومعه أهله ... ».
وهذا مرسلٌ؛ لأنَّ عبيدًا تابعيٌّ, إلَّا أنَّ استماع الصَّحابة له، وتركهم الإنكار ممَّا يشدُّه.
وفيه: أنَّ المجاورة كانت ممَّا تعمله قريش في الجاهلية, وقد كان النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل البعثة يتحرَّى من أعمالهم ما يرى أنَّه مما بقي من شريعة إبراهيم, كالحج ونحوه.
وفيه: أنَّ المجاورة كانت شهرًا, وهذا محمول على جُمْلتها. وقد دلَّ حديث عائشة رضي الله عنها أنَّه كان يرجع في أثناء الشهر مرارًا ليتزوَّد.
وقوله أخيرًا:«وذلك الشَّهر رمضان» صريحٌ في أنَّ الشَّهر الذي جاوره ذلك العام رمضان, ويحتمل أن يكون رمضان هو الشهر الذي يجاور فيه كل سنة, والذي كانت تجاور فيه قريش. والله أعلم.
وعلى كلِّ حالٍ فالذي تقرَّر في الشَّريعة ممَّا يتعلَّق بهذه القضية هو صيام رمضان واعتكاف العشر الأواخر منه في أيِّ مسجدٍ كان.
وأحكام الاعتكاف معروفةٌ في الشَّرع, ولم يُنقَل عن النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّه جاور بحراء أو غيره بعد النبوَّة, ولا أمر به أحدًا, ولا فَعَله أحدٌ من السَّلف = فلم يبْقَ في تلك القضيَّة أثرٌ عمليٌّ في الشَّريعة، إلَّا أن يكون صيام رمضان والاعتكاف فيه.