الأول: أنَّ اللَّيل في عُرف الشَّارع خلاف ذلك، وألفاظ الشَّارع تُحْمَل على عُرْفِه ما أمكن.
الوجه الثاني: أنَّ بعد الغروب صلاةُ المغرب، ثم صلاة العشاء، وما يتبعها، وقد نهي عن النَّوم قبلها، وأنَّ بعد طلوع الفجر راتبة الصُّبح وصلاتها، ثمَّ القعود للذِّكر والدُّعاء.
وكذلك لا يصحُّ أن يكون المراد في الحديث: اللَّيل الشَّرعي، وهو ما بين غروب الشَّمس وطلوع الفجر؛ لما تقدَّم أنَّ بعد الغروب صلاتَي المغرب والعشاء وتوابعهما.
فالمقصود باللَّيل إذًا هو الذي يكون وقتًا لقيام اللَّيل، وهو ما بين الفراغ من صلاة العشاء ورواتبها إلى طلوع الفجر، والقدر الذي لصلاة المغرب والعشاء ورواتبها يمكن لمن كان مطَّلعًا على السُّنَّة أن يقدِّر بساعتين ونصف تقريبًا، وما ورد من أنَّ تأخير صلاة العشاء أفضل لم يكن العمل عليه في الأَعَمِّ الأغلب؛ لأنَّه لا يتيسَّر إلَّا للأفراد، أو في بعض الأحوال.
فالذي يجب البناء عليه هو ما كان عليه العمل غالبًا، ويتيسَّر العمل به، وهو ما ذكرنا، ويبقى بين ذلك وبين طلوع الفجر عند اعتدال اللَّيل والنَّهار ثماني ساعات، ينام نصفها، وهو أربع ساعات، ويقوم ثلثها، وهو ساعتان وثلثان، ثم ينام الباقي، وهو ساعة وثلث.
هذا على فرض التَّحديد، وليس بلازم، وإنَّما الأمر على التَّقريب، وعليه كان عمل النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه. وبهذا يحصل للإنسان من النَّوم في اللَّيل المعتدل خمس ساعات وثلث.