للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يليق به، وأصروا على نكران الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه منهم فجاءت قاصمة الظهور في سورة ص {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٦)} وهي القاصمة لظهور المشركين لأن فيها نقض الحجج جميعها مما يدعون، فقد جاءتهم الرسالة على لسان نبي عربي من بني جلدتهم، فأنكروا وتعنتوا بأن يكون رسولاً منهم - والله قادر على أن يبعث مَلَكاً أو أن يبعث معه ملك - وكل هذا الإنكار والتعنت منهم وهو يحمل البرهان الساطع على صدق رسالته، والدليل الواضح على أنها ليست اختراعاً من نفسه، ولا هي خديعة لهم طمعاً بأيٍّ من أغراض الدنيا ومتاعها.

وما يدعوهم به من قرآن يأسر القلوب بأسلوبه، ويطهرهم بما يحمله من معاني، ويدعوهم إلى محاسن الأخلاق، ويذكر السماء وما فيها، والأرض وما عليها، والنفس البشرية وما حوته من أسرار، بل ولا يقولون قولاً بينهم أو في أنفسهم إلا وجاءهم به، مع هذا كله أخذتهم العزة بالإثم، وقالوا ما هذا إلّا سحر، وإن لم يكن مما سمعناه أو عرفناه عن السحر، فكيف نؤمن بك ونعادي الأمم كلها فيكون هلاكنا، وكيف نؤمن لك وما أنت إلا واحد منا، وما تريد إلّا أن تسحرنا بهذا الكلام، أمّا ما نريده نحن فهو ما نحن عليه، وما وجدنا آباءنا عليه من تعدد الآلهة، وسنصبر عليه لأنه الحق، والدليل بزعهمم أنّه حتى النصارى عبدوا آلهة متعددة ولم يوحدوها وهم أهل كتاب، وما هذا إلا سحر بحسب تحليلهم وإن لم يرَوا له مثيلاً، وكأنه بدعة من السحر لم يكن لها مثيل قبل ذلك. فشاقوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأقوالهم وناصبوه العداء، والسبب الظاهر في كلامهم أنهم أنكروا أن يكون الرسول منهم فقط، كما يظهر من قولهم {أَؤُنزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} فجاء الرد على تعنت المشركين وشقاقهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - وما قالوه فيه وما دعوا أنفسهم

<<  <   >  >>