للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه، وجاءت لإبطال حججهم وبيانها، فضربت الأمثال العظيمة لرد الحجج الباطنة في نفوسهم والظاهرة على ألسنتهم، وأهمها العجب من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهم كما قال تعالى {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: ٢] {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص: ٤] {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: ٨]، وجاء الرد عليها ظاهرا ومتضمناً للإشارة على رد شبهة تعدد الآلهة من وجهين، والإشارة على وجه واحد لرد شبهة السحر، ومهد للرد على حجة الوراثة في دين الآباء، والدعوة للصبر عليه، وكل رد مهد لما بعده بأروع ما يكون من بلاغة وتسلسل في النظم، فكيف جاء الرد على هذه الحجج وإبطالها؟ لنعرف التشابه بين الإشارات فيها مجتمعة والإشارة المبتغاة لتأويل الحروف.

الحجة الأولى: جاءت قصة نبي الله داود مع الخصم قبل الحديث عن سليمان وما ورث من ملك، فقال تعالى {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (٢٥) ص} فأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر - كما كان في السور قبلها- وأمره بذكر قصة داود، وكيف سخر الله الجبال تسبح بتسبيحه، والطير تحشر له، وقد شدّ الله ملكه وأعطاه الحكمة فوق الملك، وأعطاه البلاغة في القول، فتمت له أسباب الحكم والقضاء في الأرض، والشاهد في ذكر هذه النعم هو موطن الفتنة فيها، والاستشهاد به هو الدليل على بطلان الحجة،

<<  <   >  >>